تفسير الأحلام - ابن سيرين

 

مقتطفات من تفسير الأحلام لابن سيرين

الباب الأول
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا العبد نفسه بين يدي ربه عز وجل في منامه
أخبرنا أبو القاسم، الحسين بن هارون، بعكا، قال: حدثنا أبو يعقوب أسحق بن إبراهيم الأوزاعي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن واصل أبو زرعة الحاضري، قال: حدثنا أبو عبد الله التستري، قال: رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت، وقمت من قبري، فأتيت بدابة فركبتها، ثم عرج بي إلى الْسماء، فإذا فيها جنة، وأردت أن أنزل، فقيل لي ليس هذا مكانك، فعرج بي إلى سماء، في كل سماء منها جنة، حتى صرت إلى أعلى عليين، فنزلت، ثم أردت أن أقعد، فقيِل لي: تقعد قبل أن ترى ربك عزّ وجلّ؟ قلت: لا، فقمت فساروا بي، فإذا بالله تبارك وتعالى، قدامه آدم عليه السلام، فلما رآني آدم أجلسني يمينه جلسة المستغيث، قلت يا رب أفلجت على الشّيخ بعفوك، فسمعت الله تعالى يقول: قم يا آدم، قد عفونا عنك.
أخبرنا بوعلي الحسن بن محمد الزبيري، قال حدثنا محمد بن المسيب، قال حدثنا عبد الله بن حنيف، قال حدثني ابن أخت بشر بن الحرث، قال: جاء رجل إلي فقال أنت بشر بنِ الحرث؟ قلت: نعم، قالت رأيت الرب عز وجلّ في المنام وهو يقول: ائت بشراَ فقل له لو سجدت لي على الجمر، ما أديت شكري لما قد بينت اسمك في الناس.
أخبرنا أحمد بن أبي عمران الصوفي بمكة حرسها الله تعالى، قال أخبرني أبو بكر الطرسوسي، قال: قال عثمان الأحول، تلميذ الخراز، بات عندي أبو سعيد، فلما مضى ثلث الليل، صاح بي يا عثمان، قم أسرج، فقمت فأسرجت. فقال لي: ويحك رأيت الساعة كأني في الآخرة، والقيامة قد قامت فنوديت فأوقفت بين يدي ربي، وأنا أرعد، لم يبق على شعرة إلا قد ماتت، فقال أنت الذي تشير إلي في السماع إلى سلمى وبثينة، لولا أعلم أنّك صادق في ذلك، لعذبتك عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين.

رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى، و الله تعالى ينظر إليه، فإن كان الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا رحمة، وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ). فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، وحبب إلى الناس قال الله تعالى: (وقَرّبْناهْ نَجيّاً). وكذلك لو رأى أنّه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى: " واسْجُدْ واقْتَرِبْ " . فإن رأى أنّه يكلمه من وراء حجاب، حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يده، وقوي سلطانه. وإن رأى أنّه يكلمه من غير حجاب، فإنّه يكون خطأ في دينه، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لبَشَرِ أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب)، فإن رآه بقلبه عظيماً، كأنه سبحانه قرَّبه وأكرمه وغفر له، أو حاسبه أو بشره ولمً يعاين صفة، لقي الله تعالى في القيامة.

كذلك فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة والرحمة، كان الوعد صحيحاً لا شك فيه، لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد، ولكنه يصيبه بلاء في نفسه، ومعيشته مادام حياً. فإن رآه تعالى كأنه يعظه، انتهِى عما لا يرضاه الله تعالى، لقوله تعالى: " يَعِظُكُمْ لعَلّكُمْ تَذَكّرونَ " . فإن كساه ثوباَ، فهو هم وسقم ما عاش، ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير.

فقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه، فسأل ابن سيرين، فقال استعد لبلائه، فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى، فإن رأى نوراً تحير فيه فلم يقدر على وصفه، لم ينتفع بيديه ما عاش. فإن رأى أنّ الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر. علا أمره وغلب أعداءه، فإن أعطاه شيئاً من متاع الدنيا فهو بل يستحق به رحمته. فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأنّ أبويه ساخطان عليه، دل ذلك على سخط الله عليه. لقوله عز اسمه " اشْكُرْ لي ولِوالِدَيْكَ " . وقد روي في بعض الأخبار، رضا الله تعالى رضا الوالدين، وسخط الله تعالى في سخط الوالدين.

وقيل: من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنّه يسقط من مكان رفيع. لقول الله تعالى: (ومن يَحلِلْ عَلَيْهِ غَضبيَ فَقَدْ هَوَى). ولو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل، دل ذلك على غضب الله تعالى عليه. فإن رأى نفسه بين يدي الله عزّ وجلّ، في موضع يعرفه، انبسط العدل والخصب في تلك البقعة، وهلك ظالموها ونصر مظلوموها. فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى، نال نعمة ورحمة. فإن رأى مثالاً أو صورة، فقيل له إنّه إلهك أو ظن أنّه إلهه سبحانه، فعبده وسجد له، فإنّه منهمك في الباطل، على تقدير أنّه حق، وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى. فإن رأى كأنّه يسب الله تعالى، فإنّه كافر لنعمة ربه عزّ وجلّ غير راضٍ بقضائه.

 

الباب الثاني
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في رؤيا الأنبياء والمرسلين عموماً ورؤيا محمد خصوصاً
سمعت أبا بكر أحمد بن الحسيين بن مهران المقري، قال: اشتريت جارية أحسبها تركية، ولم تكن تعرف لساني، ولا أعرف لسانها، وكان لأصحابي جوار يترجمن عنها، قال فكانت يوماً من الأيام نائمة، فانتبهت وهي تبكي وتصيح وتقول: يا مولاي علمني فاتحة الكتاب، فقلت في نفسي انظر إلى خبثها، تعرف لساني ولا تكلمني به، فاجتمع جواري أصحابي وقلن لها: لم تكوني تعرفين لسانه والساعة كيف تكلّمينه؟ فقالت الجارية: إني رأيت في منامي رجلاً غضبان وخلفه قوم كثير، وهو يمشي، فقلت من هذا؟ فقالوا موسى عليه السلام. ثم رأيت رجلاً أحسن منه ومعه قوم وهو يمشي، فقلت من هذا؟ فقالوا محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت أنا أذهب مع هذا فجاء إلى باب كبير وهو باب الجنة، فدق ففتح له ولمن معه ودخلوا، وبقيت أنا وامرأتان، فدققنا الباب ففتح، وقيل من يحسن أن يقرأ فاتحة الكتاب يؤذن له، فقرأتا فأذن لهما، وبقيت أنا. فعلمني فاتحة الكتاب، قال فعلمتها مع مشقة كبيرة، فلما حفظتها سقطت ميتة.

قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: رؤيا الأنبياء صلوِات الله عليهم، أحد شيئين، إما بشارة وإما إنذار. ثم هي ضربان: أحدهما أن يرى نبياً على حالته وهيئته، فذلك دليل على صلاح صاحب الرؤيا وعزه وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، والثاني يراه متغير الحال عابس الوجه، فذلك يدل على سوء حاله وشدة مصيبته، ثم يفرج الله عنه أخيراً، فإن رأى كأنّه قتل نبياً، دل على أنّه يخون في الأمانة وينقض العهد لقوله تعالى: (فبمَا نقضِهِم ميثَاقَهًمْ وكُفْرِهِمْ بِآياتِ الله وَقَتْلِهِم الأنْبياءَ بِغَيْرِ حَق).

هذا على الجملة، وأما على التفصيل: فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلاً لها. لقوله تعالى: (إنِّي جَاعِلٌ في الأرض خليفةً) فإن رأى أنّه كلمه، نال علماً لقوله تعالى: (وَعًلّمَ آدم الأسماء كُلّها).

وقيل إن من رأى آدم، اْغترّ بقول بعض أعدائه، ثم فرج عنه بعد مدة. فإن رؤي متغير اللون والحال، دل ذلك على انتقال من مكان إلى مكان، ثم على العودة إلى المكان الأول أخيراً.

ومن رأى شيئاً عليه السلام نال أموالاً وأولاداً وعيشة راضية.

ومن رأى إدريس، أكرم بالورع وختم له بخير.

ومن رأى نوحاً عليه السلام، طال عمره وكثر بلاؤه من أعدائه، ثم رزق الظفر بهم. وأكثر شكِره الله تعالى لقوله تعالى: (إنّهً كانَ عَبْداً شَكُوراً) وتزوج امرأة دنية فولدت له أولاداً.

ومن رأى هوداً عليه السلام، تسفه عليه أعداؤه، وتسلطوا على ظلمه، ثم رزق الظفر بهم. وكذلك من رأى صالحاً عليه السلام.

ومن رأى إبراهيم عليه السلام، رزق الحج إن شاء اللهّ، وقيل أنه يصيبه أذى شديد من سلطان ظالم ثم ينصره الله عليه وعلى أعدائه، ويكثر الله له النعمة ويرزقه زوجة صالحة. وقيل أنّ رؤيا إبراهيم عليه السلام عقوق الأب.

وحكي أنّ سماك بن حرب كف، فرأى في منامه كأن إبراهيم عليه السلام مسح على عينيه، وقال إئت الفرات فاغتمس فيه، يرد الله عليك بصرك، فلما انتبه فعل ذلك، فأبصر.

ومن رأى إسحاق عليه السلام، أصابه شدة في بعض الكبراء أو الأقرباء، ثم يفرج الله عنه ويرزق عزاً وشرفاً وبشراً وبشارة، ويكثر الملوك والرؤساء والصالحون من نسله، هذا إذا رآه على جماله وكمال حاله، فإن رآه متغير الحال ذهب بصره نعوذ بالله.

ومن رأى إسماعيل عليه السلام، رزق السياسة والفصاحة، وقيل إنّه يتخذ مسجداً أو يعين عليه، لقوله تعالى: " وإذْ يرفعُ إبراهيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإسْماعِيل " . وقيل إن من رآه أصابه جهد من جهة أبيه، ثم يسهل الله ذلك عليه.

ومن رأى يعقوب عليه السلام أصابه حزن عظيم من جهة بعض أولاده، ثم يكشف الله تعالى ذلك عنه، ويؤتيه محبوبه.

ومن رأى يوسف عليه السلام، فإنّه يصيبه ظلم وحبس وجفاء من أقربائه، ويرمى بالبهتان، ثم يؤتى ملكاً وتخضع له الأعداء. فقد قيل في التعبير أنّ الأخ عدو، وهذه دليل على كثرة صدقة صاحبها، لقوله تعالى: " وتَصَدّقْ عَلينا " .

وقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن يوسف عليه الْسلام ناوله إحدى خفيه فانتبه وقد صار معبراً. وحكي أنّ إبراهيِم بن عبد الله الكرماني، رأى كأنّ يوسف عليه السلام كلّمه، فقال له علمني مما علمك الله، فكساه قميص نفسه، فاستيقظ وهو أحد المعبرين.

وعن ابن سيرين قالت: رأيت في المنام كأني دخلت الجامع، فإذا أنا بمشايخ ثلاثة، وشاب حسن الوجه إلى جانبهم، فقلت للشاب: من أنت رحمك اللهّ؟ قال: أنا يوسف، قلت: فهؤلاء المشيخة؟ قال: آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقلت علمني مما علّمك اللهّ، قال ففتح فاه وقال: انظر ماذا ترى، فقلت أرى لسانك، ثم فتح فاه فقال: انظر ماذا ترى، فقلت لهاتك، ثم فتح فاه فقال: انظر ماذا ترى، قلت أرى قلبك، فقال عبر ولا تخف، فأصبحت وما قصت علي رؤيا إلا وكأني أنظر إليها في كفّي.

ومن رأى يونس عليه السلام، فإنّه يستعجل في أمر يورثه ذلك حبسآَ وضيقآَ ثم ينجيه الله تعالى. وهذه الرؤيا تدل على أنّ صاحبها يسرع الغضب والرضا، ويكون بينه وبين قوم خائنين معاملة.

ومن رأى شعيبَاً عليه السلام، مقشعراً فإنّه يذهب بصره، فإن رآه على غير تلك الحالة، فإنه يبخسه قوم حقه عليهم ويظلمونه، ثم يقهرهم. وربما دلْت هذه الْرؤيا على أنّ صاحبها له بنات.

ومن رأى موسى وهارون عليهما السلام، أو أحدهما، فإنّه يهللك على يديه جبار، ظالْم، وإن رآهما وهو قاصد حرباً رزق الظفر. وحكي أنّ جارية لسعيد بن المسيب، رأت كأنّ موسى عليه السلام ظهر بالشام وبيده عصا، وهو يمشي على الماء. فأخبرت سعيداً برؤياها، قال إن صدقت رؤياك فقد مات عبد الملك بن مروان. فقيل لْه بم علمت ذلك؟ قال: لأنّ الله تعالى بعث موسى ليقصم الجبارين، وما أجد هناك إلا عبد الملك بن مروان، فكان كما قال.

ومن رأى أيوب عليه السلام، ابتلى في نفسه وماله وأهله وولده، ثم يعوضه الله من كل ذلك، ويضاعف له، لقوله تعالى: " ووهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ " .

ومن رأى داود عليه السلام، على حالته، أصاب سلطاناً وقوة وملكاً.

ومن رأى سليمان عليه السلام، رزق الملك والعلم والفقه، فإن رآه ميتاً على منبر أو سرير، فإنّه يموت خليفة أو أمير أو رئيس، لا يعلم بموته إلا بعد مدة. وقيل من رأى سليمان إنقاد له الولي والعدو، كثرت أسفاره.

ومن رأى زكريا عليه السلام، رزق على كبر ولداً تقياً.

ومن رأى يحيى عليه السلام، وفق للعفة والتقوى والعصمة، حتى يصير في ذلك واحد عصره.

ومن رأى عيسى عليه السلام، دلت رؤياه على أنّه رجل نفاع مبارك كثير الخير كثير السفر، ويكرم بعلم الطب، وبغير ذلك من العلوم.

أخبرنا الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد بمصر، قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني، قال أخبرنا أبو القاسم عيسى بن سليمان البغدادي، قال حدثنا داود بن عمرو الضبي، قال حدثنا موسى بن جعفر الرضا عن أبيه عن جده، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت يا روح الله إني أريد أن أنقش على خاتمي فما أنقش؟ قال إنقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين، فإنّه يذهب الهم والغم. وقيل إن رأت امرأة عيسى بن مريم عليه السلام وهي حامل، ولدت ابناً حكيماً.

ومن رأى مريم بنت عمران، فإنّه ينال جاهاً ورتبة منِ الناس، ويظفر بجميع حوائجه. وإن رأت امرأة هذه الرؤيا وهي حامل، ولدت أيضاَ ابناً حكيماً، وإن افترى عليها برئت من ذلك وأظهر الله براءتها، ومن رأى أنّه يسجد لمريم، فإنّه يكلم الملك ويجلس معه.

ومن رأى دانيال الحكيم، رزق حظاً وافراً، وعلم الرؤيا، وظفر بجبار بعد أن تصيبه منه شدة، وقيل إنّه يصير أميراً أو وزير أمير. وحكي أنّ أبا عبد الله الباهلي رأى كأنه حمل دانيال على عاتقه، فوضعه على جدار وأحياه فكلمه، وقال له أبشر فإنّك دخلت في جملة ورثة الأنبياء، وصرت إماماً من جملة المعبرين.

ومن رأى الخضر عليه السلام، دل على ظهور الخصب والسعة بعد الجدوبة، والأمن بعد الخوف، وقال بعضهم: من رأى كأن بعض الأنبياء ضربه نال مناه في الدنيا ديناً ودنيا، ومن رأى كأنّه بنفسه تحول نبياً معروفاً، نالته الشدائد بقدر مرتبة ذلك النبي في البلاء، ويكون آخر أمره الظفر، ويصير داعياً إلى الله سبحانه وتعالى.

رؤيا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد البصري بتنيس، قال حدثنا علي بن المسافر قال حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، قال حدثني عمي. قال أخبرني أبو بشر عن ابن شهاب، قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنّ أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي. قال أبو سلمة، قال أبو قتادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني فقد رأى الحق.

وأخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي في دمشق، قال حدثني أبو أيوب سليمان بن محمد الخزاعي، عن محمد بن المصفى الحمصي، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد بن مسلم، عن أنس بن مالك. أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فلن يدخل النار.

وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد الأصفهاني بمكة حرسها الله تعالى في المسجد الحرام، قال حدثنا أبو الحسن محمد بن سهل، عن محمد بن المصفى، عن بكر بن سعيد، عن سعيد بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يدخل النار من راني في المنام.

قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: قد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فطوبى لمن رآه في حياته فاتبعه، وطوبى لمن يراه في منامه، فإنّه إن رآه مديون قضى الله دينه، وإن رآه مريض شفاه الله، وإن رآه محارب نصره الله، وإن رآه صرور حج البيت، وإن رؤي في أرض جدبة أخصبت، أو في موضع قد فشا فيه الظلم بدل الظلم عدلاً، أو في موضع مخوف أمن أهله، هذا إذا رآه على هيئته. وإن رآه شاحب اللون مهزولاً أو ناقصاً بعض الجوارح فذلك يدل على وهن الدين في ذلك المكان وظهور البدعة، وكذلك إن رأى كسوة رثة. وإن رأى أنّه شرب دمه حباً له في خفية فإنّه يستشهد في الجهاد، وإن رأى أنّه شرب علانية دل ذلك على نفاقه ودخل في دم أهل بيته وأعان على قتلهم. فإن رآه كأنه مريض ففاق من مرضه فإنّ أهل ذلك المكان يصلحون بعد الفساد، وإن رآه عليه السلام راكباً فإنّه يزور قبره راكباً، وإن رآه راجلاً توجه إلى زيارته راجلاً، وإن رآه قائماً استقام أمره وأمر إمام زمانه، وإن رآه يؤذن في مكان خراب عمر ذلك المكان، وإن رأى كأنّه يؤاكله فذلك أمر منه إياه بإيتاء زكاة ماله.

فإن رأى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فإنّه يموت من نسله واحد، وإن رأى جنازته في بقعة حدثت في تلك البقعة مصيبة عظيمة، فإن رأى أنه شيعِ جنازته حتى قبر فإنّه يميل إلى البدعة. وإن رأى أنّه قد زار قبره أصاب مالاً عظيماً، وإن رأى كأنه ابن النبي وليس من نسله، دلت رؤياه على خلوص إيمانه، وإن رأى كأنه أبو النبي عليه السلام دل على وهن دينه وضعف إيمانه ويقينه.

ورؤية الرجل الواحد رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه لا تختص به بل تعم جماعة المسلمين. روي أنّ أم الفضل قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في المنام كأن بضعة منِ جسدك قطعت فوضعت في حجري، فقال: خيراً رأيت، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيوضع في حجرك. فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام فوضع في حجرها.

وروي أنّ امرأة قالت: يا رسول الله رأيت في المنام كأن بعض جسدك في بيتي، قال: تلد فاطمة غلاماً فترضعيه، فولدت الحسين فأرضعته. فإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه شيئاً من مستحب متاع الدنيا أو طعام أو شراب، فإنّه خير يناله بقدر ما أعطاه، وإن كان ما أعطاه رديء الجوهر مثل البطيخ وغيره، فإنّه ينجو من أمر عظيم، إلا أنّه يقع به أذى وتعب. فإن رأى أنّ عضواً من أعضائه عليه السلام عند صاحب الرؤيا، قد أحرزه، فإنه على بدعة في شوائعه قد استمسك بها دون سائر الشرائع من الإسلام وترك سواها دون سائر المسلمين.

سمعت أبا الحسن علي بن البغدادي بمشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قال ابن أبي طبيب الفقير: كان بي طرش عشر سنين، فأتيت المدينة وبت بين القبر والمنبر، فرأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول اللهّ، أنت قلت من سأل لي الوسيلة وجبت له شفاعتي، قال: عافاك الله ما هكذا قلت، ولكني قلت: من سأل لي الوسيلة من عند الله وجبت له شفاعتي، قال فذهب عني الطرش ببركة قوله عافاك اللهّ.

حكى عبد الله بن الجلاء، لمحالة دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي فاقة، فتقدمت إلى قبر رسول الله له، فسلمت عليه وعلى صاحبيه رضوان الله عليهما ثم قلت: يا رسول الله بي فاقة وأنا ضيفك، ثم تنحيت ونمت دون القبر، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليّ، فقمت فدفع إلي رغيفاً، فأكلت بعضه، وانتبهت وفي يدي بعض الرغيف. وعن أبي الوفاء القاري الهروي، قال رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام بفرغانة سنة ستين وثلاثمائة، وكنت أقرأ عند السلطان، وكانوا لا يسمعون ويتحدثون، فانصرفت إلى المنزل مغتماً، فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تغير لونه، فقال لي عليه السلام: أتقرأ القرآن كلام الله عزّ وجلّ بين يدي قوم يتحدثون ولا يسمعون قراءتك؟ لا تقرأ بعد هذا إلا ما شاء اللهّ. فانتبهت وأنا ممسك اللسان أربعة أشهر، فإذا كانت لي حاجة أكتبها على الرقاع، فحضرني أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، فأفتوا بأني آخر الأمر أتكلم، فإنّه قال: إلا ما شاء الله، وهو استثناء، فنمت بعد أربعة أشهر في الموضع الذي كنت نمت فيه أولاً، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يتهلل وجهه، فقال لي: قد ثبت؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: من تاب تاب الله عليه، أخرج لسانك. فمسح لساني بسبابته وقال: إذا كنت بين يدي قوم وتقرأ كتاب اللهّ، فاقطع قراءتك حتى يسمعوا كلام الله. فانتبهت وقد انفتح لساني بحمد الله ومنه.

وحكي أنّ رجلاً من المياسير، مرض، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة كأنّه يقول له إن أردت العافية من مرضك، فخذ لا ولا. فلما استيقظ، بعث إلى سفيان الثوري رضي الله عنه، بعشرة آلاف درهم، وأمره أن يفرقها على الفقراء، وسأله عن تعبير الرؤيا، فقال معنى قوله لا ولا الزيتونة، فإنّ الله تعالى وصفها في كتابه فقال: لا شرقية ولا غربية. وفائدة مالك ارتفاق الفقراء بك، قال فتداوى بالزيتون، فوهب الله له العافية ببركة استعماله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه رؤياه.

وبلغنا أنّ رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فشكا إليه ضيق حاله، فقال له اذهب إلى علي بن عيسى، وقل له يدفع إليك ما تصلح به أمرك، فقال يا رسول الله بأي علامة؟ قال قل له بعلامة إنّك رأيتني على البطحاء، وكنت على نشز من الأرض، فنزلت وجئتني، فقلت ارجع إلى مكانك. قال وكان علي بن عيسى قد عزل، فردت إليه الوزارة. فلما انتبه جاء إلى علي بن عيسى وهو يومئذٍ وزير، فذكر قصته فقال صدقت، ودفع إليه أربعمائة دينار، فقال اقض بهذه دينك، ودفع إليه أربعمائة دينار أُخرى، فقال اجعلها رأس مالك، فإذا أنفقت ذلك ارجع إلي.

وذكر رجل يعرف بمرادك من أهل البصرة، وكان يبيع الطيالسة، قال بعث ساجاً من بعض ولاة الأهواز، وكنت أختلف إليه في ثمنه، فسب أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما، فمنعتني هيبته من الرد عليه، فانقلبت وأنا مغموم، فبت ليلتي كذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت له يا رسول اللهّ، إنّ فلاناً سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، قال ائتني به، فجئت به، فقال اضجعه فأضجعته، فقال اذبحه، فتعاظم الذبح في عيني، فقلت يا رسوله الله اذبحه؟ فقال اذبحه حتى قالت ثلاث مرات، فأمررت السكين على حلقه فذبحته، فلما أصبحت قلت أذهب إليه أعظه وأخبره بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت فلما بلغت داره سمعت الولولة، فقيل إنّه مات.
وأتى ابن سيرين رجل غير متهم في دينه قلقاً، فقال إني رأيت البارحة في النوم، كأني قد وضعت رجلي على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له هل بت البارحة مع خفيك؟ قال نعم، قال فاخلعهما، فخلعهما فكان تحت إحدى رجليه درهم عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الباب الثالث
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في رؤيا الملائكة عليهم السلام
سمعت أبا الفضل أحمد بن عمران الهروي بمكة حرسها الله تعالى. قال سمعت أبا بكر بن القاري، يقول: سمعت أبا بكر جعفر بن الخياط الشيخ الصالح يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم جالساً معه جماعة من الفقراء، متسمين بالتصوف، فإذا بالسماء قد انشقت، فنزل جبريل ومعه ملائكة بأيديهم الطسوت والأباريق، فكانوا يصبون الماء على أيدي الفقراء ويغسلون أرجلهم، فلما بلغوا إلي مددت يدي فقال بعضهم لبعض: لا تصبوا الماء على يديه، فإنّه ليس منهم فقلت يا رسول الله فإن كنت لست منهم فإنّي أحبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن مع من أحب، فصب الماء على يدي حتى غسلتهما.

قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: رؤية الملائكة في النوم إذا كانوا معروفين مستبشرين، يدل على ظهور شيء لصاحب الرؤيا، وعزّ وقوة وبشارة ونصرة بعد ظلم، أو شفاء بعد مرض، أو أمن بعد خوف، أو يسر بعد عسر، أو غنى بعد فقر، أو فرج بعد شدّة. وتقتضي أن يحج صاحبها أو يغزو فيستشهد.

فإن رأى كأنّه يعادي جبريل وميكائيل أو يجادلهما، فإنّه في أمر يحل به نقمة الله تعالى من ساعة إلى ساعة، وكان رأيه موافقاً لرأي اليهود، نعوذ بالله.

وإن رأى أنّه أخذ من جبريل طعاماً، فإنّه يكون من أهل الجنة إن شاء الله وإن رآه حزيناً مهموماً أصابته شدة وعقوبة، لأنّه ملك العقوبة.

ومن رأى ميكائيل عليه السلام، فإنّه ينال مناه في الدارينِ إن كان تقياً. وإن لم يكن تقياً فليحذر. فإن راه في بلدة أو قرية مطر أهلها مطراً عاماَ، وأرخصت الأسعار فيها، فإن كلم صاحب الرؤيا أو أعطاه شيئاً فإنّه ينال نعمة وسروراً لأنه ملك الرحمة.

ومن رأى إسرافيل عليه السلام محزوناَ ينفخ في الصور، وظن أنّه سمعه وحده دون غيره فإنّ صاحب الرؤيا يموت. فإن كان يظن أنّ أهل ذلك الموضع سمعوه ظهر في ذلك الموضع موت ذريع. وقيل إنّ هذه الرؤيا تدل على انتشار العدل بعد انتشار الظلم، وعلى هلاك الظلمة في تلك الناحية.

ومن رأى ملك الموت عليه السلام مسروراً مات شهيداً، فإن رآه باسراً ساخطاً مات على غير توبة، ومن رأى كأنّه يصارعه فصرعه مات، فإن لم يكن صرعه أشفى على الموت ثم نجاه الله، وقيل من رأى ملك الموت طال عمره.

وحكي عن حمزة الزيات قال: رأيت ملك الموت في النوم، فقلت يا ملك الموت نشدتك بالله هل ذلي عند الله من خير؟ قال نعم، وآية ذلك أنّك تموت بحلوان، فمات بحلوان، فإن رأى كأنّ ملكاً من الملائكة يبشره بابن، رزق ابناً عالماً رضياً وجيهاً، لقوله تعالى: " إن الله يُبَشِّرًكَ بكَلِمَةٍ منه " 0 الآية وقوله: " إنّما أنا رسُولً ربِّكِ لأهَبَ لكِ غُلاماً زَكيّاً " . وإن رأى ملائكة بأيديهم أطباق الفواكه، خرج من الدنيا شهيداً.

وإن رأى أنّ ملكاً من الملائكة دخل عليه داره، فليحذر دخول اللص داره. وإن رأى كأنّ ملكاً أخذ منه سلاحه، فإنّه تذهب قوته ونعمته، وربما فارق امرأته. وإن رأى كأنّ الملائكة في موضع وهو يخافهم، وقع في ذلك الموضع فتنة وحرب.

وإن رأى كأنّ الملائكة في موضمع حرب، ظفر بالأعداء. وإن رآهم راكعين بينِ يديه أو ساجدين له، نال أمانيه وعلا ذكره وأمره، فإن رأى أنّه يصارع ملكاً، نال هماَ وذلاً بعد العز. وإن رأى مريض كأنّ ملكاً يواقع ملكاً، قرب موته.
وإن رأى كأن الملائكة هبطت من السماء إلى الأرض على هيئتها، فذلك دليل على عز أهل الحق، وذل أهل الباطل، ونصرة المجاهدين، فإن راهم على صورة النساء فإنّه يكذب على الله تعالى لقوله تعالى: " أفَأصْفَاكُمْ رَبّكُمْ بالبَنِينَ واتّخَذَ من الملائِكَةِ إنَاثاً إنّكم لَتَقُولُونَ قولاً عَظِيماً " .
وإن رأى أنّه يطير مع الملائكة أو يصعد معهم إلى السماء، ولا يرجع، نال شرفاً في الدنيا ثم يستشهد.
وإن رأى كأنّه ينظر إلى الملائكة أصابته مصيبة، لقوله تعالى: " يومَ يَرَوْنَ الملاَئِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئذٍ للمُجْرِمِين " وإن رأى كأنّ الملائكة يلعنونه فذلك دليل على وهن دينه.
وإن رأى كأنّ الملائكة يضجون، خرب بيته ومسكنه.
وإن رأى رهطاً من الملائكة في بلد أو محلة أو قرية، فإنّه يموت هناك عالم أو زاهد، أو يقتل رجل مظلوم، أو تهدم دار على قوم.
وإن رأى كأنّ ملائكة يصنعون مثل صناعته، دل ذلك على ارتفاقه بصناعته.
وإن رأى ملكاً يقول له اقرأ كتاب الله تعالى، فإن كان رجلاً من أهل الخير أصاب شرفاً، وإن لم يكن من أهل الخير فليحذر لقوله تعالى: " اقرأ كِتَابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ اليومَ عَلَيْكَ حَسِيباً " .
وإن رأى الملائكة في موضع على خيل، هلك هناك جبار، وإن رأى طيوراً تطير ولا يعرف أعيائها فهي ملائكة، ورؤيتهم في المنام في مكان دليل على الانتقام من الظالمين ونصر المظلومين.
ومن رأى الكرام الكاتبين، نال السرور والفرح في الدنيا والآخرِة، ورزق حسن الخاتمة إن كان من أهل الصلاح، وإلا خيف عليه لقوله تعالى: " كِراماَ كَاتِبِينَ يَعْلَمُون ما تَفْعَلُون " .
وقد قال بعض أهل العلم بهذه الصناعة، إنّ رؤية الملك في صورة شيخ دليل على الزمان الماضي. ورؤيته في صورة الشبان، دليل على الزمان الحاضر، ورؤيته في صورة صبي، دليل على الزمان المستقبل.
ومن رأى كأنّه صار في صورة ملك، فإن كان في شدة، نال الفرج. وإن كان في رق أعتق. وإن كان شريفاً نال رياسة وإن كان مريضاً دلت هذه الرؤيا على موته. ومن رأى كأنّ الملائكة يسلمون عليه، أتاه الله بصيرة في حياته وختم له بالخير.
وحكي أنّ شمويل اليهودي التاجر، رأى في منامه وكان في سفر، كأنّ الملائكة يصلّون عليه، فسأل معبراً، فقال إنّك تدخل في دين الله وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: " هو الّذي يُصلّي عَلَيْكًمْ وَمَلَائِكتُهُ ليُخْرِجكُمْ مِنَ الظلُمَاتِ إلى النُّور " . فأسلم وهداه الله وكان سبب إسلامه أنّه وارى رجلاً مديوناً فقيراً عن غريم له كان يطلبه.
الباب الرابع
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في رؤيا الصحابة والتابعين في المنام رضي الله عنهم وأرضاهم
من رأى واحداً منهم أو جميعهم أحياء، دلت رؤياه، على قوة الدين وأهله ودلت على أنّ صاحب الرؤيا ينال عزاً وشرفاً، ويعلو أمره، فإن رأى كأنّه صار واحداً منهم، يناله شدائد ثم يرزق الظفر، وإن رآهم في منامه مراراً صدقت معيشته، وإن رأى أبا بكر رضي الله عنه حياً، أكرم بالرأفة والشفقة على عباد الله، وإن رأى عمر رضي الله عنه أكرم بالقوة في الدين، والعدل في الأقوال، وحسن السيرة فيمن تحت يده، فإن رأى عثمان رضي الله عنه حياً، رزق حياءاً وهيبة وكثر حساده، وإن رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حياً، أكرم بالعلم ورزق الشجاعة والزهد، ومن رأى القراء مجتمعين في موضع، فإنّه يجتمع هناك أاصحاب الدولة من السلاطين والتجار والعلماء، ومن رأى بعض الصالحين من الأموات صار حياً في بلده، فإنّ تلك البلدة ينال أهلها الخصب والفرج والعدل من واليهم، ويصلح حال رئيسهم.

ورؤي الحسن البصري رحمه الله كأنه لابس صوف، وفي وسطه كستيج وفي رجليه قيد، وعليه طيلسان عسلي، وهو قائم على مزبلة، وفي يده طنبور يضرب به، وهو مستند إلى الكعبة، فقصت رؤياه على ابن سيرين فقال: أما درعه الصوف فزهده، وأما كستيجه فقوته في دين الله، وأما عسليه فحبه للقرآن وتفسيره للناس، وأما قيده فثباته في ورعه، وأما قيامه على المزبلة فدنياه جعلها الله تحت قدميه، وأما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس، وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله عزّ وجلّ.
  


الباب الخامس
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل سور القرآن العزيز
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب الرازي، أخبرنا محمد بن أيوب الرازي، قال أنبأنا مسلم بن إبراهيم، قال حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن أنّ رجلأ مات فرآه أخوه في المنام، فقال يا أخي أي الأعمال تجدون أفضل؟ قال القرآن، قال أي آي القرآن أفضل؟ قال آية الكرسي، قال يرجو الناس؟ قال نعم إنكم تعملون ولا تعلمون، ونحن لا نعلم ولا نعمل.
ومن رأى كأنّه يقرأ فاتحة الكتاب فتحت له أبواب الخير، وأغلقت عنه أبواب الشر.
ومن رأى كأنّه يقرأ سورة البقرة طال عمره وحسن دينه.
ومن رأى أنّه يقرأ سورة آل عمران صفا ذهنه وزكت نفسه، وكان مجادلاً لأهل الباطل.
ومن يقرأ سورة النساء فإنّه يكون قساماً للمواريث صاحب حرائر من النساء وجوار، يرث النساء ويورث بعد عمر طويل.
ومن قرأ سورة المائدة علا شأنه وقوي يقينه وحسن ورعه.
ومن قرأ سورة الأنعانم كثرت أنعامه ودوابه ومواشيه ورزق الجهود.
ومن قرأ سورة الأعراف لم يخرج من الدنيا حتى يطأ قدمه طور سيناء.
ومن قرأ سورة الأنفال رزقه الله الظفر بأعدائه، ورزق الغنائم.
ومن قرأ سورة التوبة عاش في الناس محموداً ومات على توبة.
ومن قرأ سورة يونس حسنت عبادته ولم يضره كيد ولا سحر.
ومن قرأ سورة هود كان مرزوقاً من الحرث والنسل.
ومن قرأ سورة يوسف ظلم أولاً ثم يملك أخيراً، ويلاقي سفراً يقيم فيه.
ومن قرأ سورة الرعد كان حافظاً للدعوات، ويسرع إليه الشيب.
ومن قرأ سورة إبراهيم حسن أمره ودينه عند اللهّ.
ومن قرأ سورة الحجر كان عند الله وعند الناس محموداً، ومن قرأ سورة النحل رزق علمأ، وإن كان مريضاً شفي.
ومن قرأ سورة بني إسرائيل كان وجيهاً عند الله ونصر على أعدائه.
ومن قرأ سورة الكهف نال الأماني وطال عمره حتى يمل الحياة ويشتاق إلى الموت.
ومن قرأ سورة مريم أحيا سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويكذب عليه ثم تظهر براءته.
ومن قرأ سورة طه لم يضره سحرساحر.
وِمن قرأ سورة الأنبياء نال الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر، ورزق علماً وخشوعاً.
ومن قرأ سورة الحج رزق الحج مراراً إن شاء الله تعالى.
ومن قرأ سورة المؤمنين قوي إيمانه وختم له به.
ومن قرأ سورة النور نوّر الله قلبه وقبره.
ومن قرأ سورة الفرقان كان فارقاً بين الحق الباطل.
ومن قرأ سورة الشعراء عصمه الله من الفواحش.
ومن قرأ سورة النمل أوتي ملكاً.
ومن قرأ سورة القصص رزق كنزاً حلالاً.
ومن قرأ سورة العنكبوت كان في أمان الله وحرزه إلى أن يموت.
ومن قرأ سورة الروم فتح الله على يديه بلدة من بلاد المشركين، وهدى على يديه قوماً.
ومن قرأ سورة لقمان آوتي الحكمة.
ومن قرأ سورة السجدة مات في سجدته وصار من الفائزين عند اللهّ.
ومن قرأ سورة الأحزاب كان من أهل التقى واتبع الحق.
ومن قرأ سورة سبأ يزهد في الدنيا، وآثر العزلة.
ومن قرأ سورة فاطر فتح الله عليه باب النعم.
ومن قرأ سورة يس رزق محبة أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن قرأ سورة الصافات رزقه الله ولداً صاحب يقين طائعاً له.
ومن قرأ سورة ص كثرماله وحذق في صناعته.
ومن قرأ سورة الزمر خلص دينه وحسنت عاقبته.
ومن قرأ سورة المؤمن رزق رفعة في الدنيا والآخرة، وتجري الخيرات على يديه.
ومن قرأ سورة حم السجدة يكون داعياً إلى الحق ويكثر محبوه.
ومن قرأ سورة حم عسق عمّر عمراً طويلاً إلى غاية.
ومن قرأ سورة الزخرف كان صادقاً في أقواله.
ومن قرأ سورة الدخان رزق الغنى.
ومن قرأ سورة الجاثية فإنّه يخشع لربه ما عاش.
ومن قرأ سورة الأحقاف رأى العجائب في الدنيا.
ومن قرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم حسنت سيرته.
ومن قرأ سورة الفتح وفق للجهاد.
ومن قرأ سوره الحجرات يصل رحمه.
ومن قرأ سورة ق وسع عليه رزقه.
ومن قرأ سورة الذاريات كان مرزوقاً من الحرث والزرع.
ومن قرأ سورة الطور دلت رؤياه على أنّه يجاور بمكة.
ومن قرأ سورة النجم رزق ولداً جميلاً وجيهاً.
ومن قرأ سورة القمر فإنّه يسحر ولا يضره.
ومن قرأ سورة الرحمن نال في الدنيا النعمة وفي الآخرة الرحمة،.
ومن قرأ سورة الواقعة كان سباقاً إلى الطاعات.
ومن قرأ سورة الحديد كان محمود الأثر صحيح البدن.
ومن قرأ سورة المجادلة كان مجادلاً لأهل الباطل قاهراً لهم بالحجج.
ومن قرأ سورة الحشر أهلك الله أعداءه.
ومن قرأ سورة الممتحنة نالته محنة وأجر عليها.
ومن قرأ سورة الصف استشهد.
ومن قرأ سورة الجمعة جمع الله له الخيرات.
ومن قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق.
ومن قرأ سورة التغابن استقام على الهدى.
ومن قرأ سورة الطلاق دل على نزاع بينه وبين امرأته يؤدي ذلك إلى الفراق.
ومن قرأ سورة الملك كثرت أملاكه.
ومن قرأ سورة نون رزق الكتابه والفصاحة.
ومن قرأ سورة الحاقة كان على الحق.
ومن قرأ سورة المعارج كان آمناً منصوراً.
ومن قرأ سورة نوح كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر مظفراً على الأعداء.
ومن قرأ سورة الجن عصم من شر الجن.
ومن قرأ سورة المزمل وفق للتهجد.
ومن قرأ سورة المدثر حسنت سريرته وكان صبوراً.
ومن قرأ سورة القيامه فإنّه يجتنب الحلف فلا يحلف أبداً.
ومن قرأ سورة هل أتى وفق للسخاء ورزق الشكر وطابت حياته.
ومن قرأ سورة المرسلات وسع عليه في رزقه.
ومن قرأ سورة عم يتساءلون عظم شأنه وانتشر ذكره بالجميل..
ومن قرأ سورة النازعات نزعت الهموم والخيانات من قلبه.
ومن قرأ سورة عبس فإنّه يكثر إيتاء الزكاة والصدقة.
ومن قرأ سورة التكوير كثرت أسفاره في ناحية المشرق وكثرت أرباحه في أسفاره.
ومن قرأ سورة الانفطار قربه السلاطين وأكرموه.
ومن قرأ سورة المطففين رزق الأمانة والوفاء والعدل.
ومن قرأ سورة الانشقاق كثر نسله وولده.
ومن قرأ سورة البروج فاز من الهموم وأكرم بنوع من العلوم وقيل ذلك علم النجوم.
ومن قرأ سورة الطارق أُلهم كثرة التسبيح.
ومن قرأ سورة سبح تيسرت عليه أًموره.
ومن قرأ سورة الغاشية ارتفع قدره وانتشر ذكره وعلمه.
ومن قرأ سورة الفجر كسي البهاء والهيبة.
ومن قرأ سورة البلد وفق لإطعام وإكرام الأيتام ورحمة الضعفاء.
ومن قرأ سورة الشمس أوتي الفهم وذكاء الفطنة في الأشياء.
ومن قرأ سورة الليل وفق اغيام الليل وعصم من هتك الستر.
ومن قرأ سورة الضحى فإنّه يكرم المساكين والأيتام.
وقد حكي أنّ بعض العلوية رأى في منامه مكتوباً على جبينه سورة الضحى،فأخبر بذلك ابن المسيب فعبرها بدنو الأجل، فمات العلوي بعد ليلة.
ومن قرأ سورة ألم نشرح فإن الله يشرح للإسلام صدره، وييسّر عليه أمره وتنكشف عنه همومه.
ومن قرأ سورة التين عجل له قضاء حوائجه، وسهل له رزقه.
ومن قرأ سورة اقرأ رزق الكتابة والفصاحة والتواضع.
ومن قرأ سورة القدر طال عمره وعلا أمره وقدره.
ومن قرأ سورة لم يكن هدى الله على يديه قوماً ضالين.
ومن قرأ سورة الزلزلة زلزل الله به أقدام أهل الكفر.
ومن قرأ سورة العاديات رزق الخيل وارتباطها.
ومن قرأ سورة القارعة أكرم بالعبادة والتقوى.
ومن قرأ سورة التكاثر كان زاهداً من المال تاركاً لجمعه.
ومن قرأ سورة العصر وفق الصبر وأعين على الحق، ويناله خسران في تجارته، ويتعقبه ربح كثير.
ومن قرأ سورة الهمزة فإنّه يجمع مالاً ينفعه في أعمال البر.
ومن قرأ سورة الفيل نصر على الأعداء وجرى على يديه فتوح في الإسلام.
ومن قرأ سورة قريش فإنّه يطعم المساكين ويؤلف الله بينه وبين قلوب عباده في المحبة.
ومن قرأ سورة أرأيت فإنّه يظفر بمن خالفه وعانده.
ومن قرأ سورة الكوثر كثر خيره في الدارين.
ومن قرأ سورة الكافرون وفق لمجاهدة الكافرين.
ومن قرأ سورة النصر نصره الله على أعدائه. وهذه الرؤيا تدل على قرب وفاة صاحبها فإنّها سورة نعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه.
وقد حكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال إني رأيت في المنام كأني أقرأ سور الفتح، فقال عليك بالوصية فقد جاء أجلك. فقال ولم؟ قال لأنها آخر سورة نزلت من السماء.
ومن قرأ سورة تبت يدا فإنّ بعض أهل النفاق يتشمر لمعاداته وطلب عثراته ثم يهلكه الله عزّوجلّ.
ومن قرأ سورة الإخلاص نال مناه وعظم ذكره، ووقي زلات توحيده، وقيل يقل عياله ويطيب عيشه، وقد قيل أن قِراءتها أيضاً دليل على اقتراب الأجل.
وقد حكي أنّ بعض الصالحين رأى سورة الإخلاص مكتوبة بين عينيه فقص ذلك على سعيد بن المسيب، فقال إن صدقت رؤياك فقد دنا موتك. فكان كما قال.
ومن قرأ سورة الفلق فإنّ الله يدفع عنه شر الإنس والجن والهوام والحساد.
ومن قرأ سورة الناس عصم من البلايا وأُعيذ من الشيطان وجنوده ووسواسهم.
قال أبو سعد رضي الله عنه: والأصل في هذا النوع من الرؤيا، أن يتدبر المعبر رؤيا القاص عليه في هذا الباب، فإن كانت الآية التي رأى أنّه قرأها آية رحمة مبشرة، بشره بالرحمة والنعمة والأمن والغبطة، وإن كانت عقوبة، حذره ارتكاب معصية يستحقها بها، وأشار عليه بترك معصية هو فيها أو هام بها قاصداً لها.
تفسير رؤيا المصحف وقراءته
فإن رأى كأنّه يقرأ القرآن ظاهراً، فإنّه يكون مؤدياً للأمانات مستقيماً على الحق، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لقوله تعالى: " يتْفونَ اياتِ الله " ، إلى قوله " ويأمُرًون بالمعْرُوفِ ويَنْهُونَ عن المنْكَر " .
فإن رأى كأنّه يقرأ في مصحف، نال حكمة وعزاً وذكراً، وحسن دين. والمصحف حكمة في التأويل.
فإن رأى أنّه اشترى مصحفاً، انتشر علمه في الدين والناس، وأفاد خيراً.
ومن رأى أنّه باع مصحفاً، فإنه يحتقب الفواحش.
فإن رأى أنّه أحرق. مصحفاً أفسد دينه.
فإن رأى أنّه سرق مصحفاً نسي الصلاة.
فإن رأى في يده كتاباً أو مصحفاً، فلما فتحه لم يكن فيه كتابه، دل على أن ظاهره بخلاف باطنه.
فإن رأى أنّه يأكل أوراق المصاحف، فإنّه يكتب المصاحف بأجرة، ويطلب رزقه من غيروجهه.
فإن رأى أنّه يقبل المصحف، فإنّه لا يقصر في أداء الواجبات.
فإن رأى أفّ يكتب القرآن في خزف أو صدف، فإنّه يقول في الْقرآن برأيه.
فإن رأى أنّه يكتبه على الأرض فهو ملحد.
وقد حكي أنّ الحسن البصري رحمه اللهّ، رأى كأنّه يكتب القران في كساء فقص رؤياه على ابن سيرين فقال اتق الله ولا تفسر القرآن برأيك، فإن رؤياك تدل على ذلك.
فإن رأى كأنّه يقرأ القران وهو متجرد، فإنه صاحب أهواء.
ومن رأى كأنّه يأكل القرآن، فإنِّه يأكل به.
ومن رأى كأنّه متوسد مصحفاً، فإنّه رجل لا يقوم بما معه من القرآن، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا توسدوا بالقرآن لما " .
ومن رأى أنّه حفظ القرآن ولم يكن يحفظه، نال ملكاً. لقوله تعالى: " إني حَفِيظٌ عَلِيم " .
ومن رأى كأنّه يسمع القرآن، قوي سلطانه وحسنت خاتمته.
ومن رأى أنّ المصحف أُخذ منه، فإنّه ينتزع منه علمه وينقطع عمله في الدنيا.
ومن رأى أنّه يُتْلى عليه القران وهو لا يفهمه، أصابه مكروه، أما من الله أو من السلطان. لقوله تعالى: " وقالوا لو كُنّا نَسْمَعُ أو نَعْقِلُ ما كًنّا فِي أَصْحَابِ السّعِيرْ " .
ومن رأى اية رحمة، فإذا وصل إلى آية عذاب، عسرت عليه قراءتها، أصاب فرجاً.
ومن رأى أنّه يقرأ اية عذاب فإذا وصل إلى آية رحمة، لم يتهيأ له قراءتها بقي في الشدة.
ومن رأى أنّه يختم القرآن ظفر بمراده وكثر خيره.
وحكي أنّ امرأة رأت كأنّ في حجرها مصحفاً، وهي تقرب منه، فجاءت فروجتان يلتقطان كل كتابة فيه، حتى استوفتا جميع كتابته أكلاً فقصت رؤياها على ابن سيرين فقال ستلدين ابنين يحفظان القرآن. فكان كذلك.

رؤيا قطع ورقة من المصحف
وحكي أنّ رجلاً من القراء، رأى في منامه كأنّه يقطع ورقة من المصحف فيضعها على النار، فيسكن لهبهم. فرفعها إلى بعض المفسرين فقال ستكون فتنة من جهة السلطان، وتسكن بقراءتك القران، فكان كذلك.
ومن سمع قراءة القرآن قوي سلطانه، وحمدت عاقبته، وأُعيذ من كيد الكائدين.
لقوله تعالى: " فإذا قرأتَ القرانَ جعلنا بينكَ وبينَ الذينَ لا يؤمنون بالآخرةِ حجاباً مسْتوراً " .
الباب السادس
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الإسلام
قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: كل مشرك رأى في منامه أو رآه غيره كأنّه في الجنة، أو على أساور من فضة، فإنّه يسلم لقوله تعالى: " وحُلوا أسَاوِرَ من فَضّة " . وكذلك لو رأى أنّه يدخل حصناً، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: لا إله إلا أنا تعالى حصني، فمن دخله أمن من عذابي " . فإن رأى مشرك أنّه أسلم، أو رأى أنّه يصلي نحو القبلة، أو رأى أنّه يشكر الله تعالى، هدي للإسلام، وإن كان في دار الشرك، فرأى في منامه أنّه تحول إلى دار الإسلام، فإنّه يموت عاجلاً، لأنّ دار الإسلام دار الحق.
فإن رأى مسلم في منامه كأنّه يقول أسلمت، استقامت أموره واستحكم إخلاصه. فإن رأى مسلم كأنّه يسلم ثانياً، سلم من الآفات. ومن رأى من المشركين كأنّه كان ميتاً فحي، فإنّه يسلم. وكذلك إذأ رأى سعة في صدره، فإنّه يسلم. وكذلك إذا رأى نفسه في سفينة في البحر فإنّه يسلم.
الباب السابع
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل السلام والمصافحة
من رأى كأنّه يصافح عدواً ويعانقه، ارتفعت من بينهما العداوة، وثبتت الإلفة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المصافحة تزيد في المودة " . ومن رأى أن عدوه يسلم عليه، فإنّه يطلب إليه الصلح.
ومن رأى أنّه سلم على من ليس بينه وبينه عداوة، أصاب المسلم عليه من المسلم فرحاً. وإن كانت بينهما عداوة، فإنّه يظفر بالمسلم، ويأمن بوائقه. ومن رأى كأنّه سلم على شيخ لا يعرفه، فإنّ ذلك أمان من عذاب الله عزّ وجلّ.
وإن رأى أنّه سلّم على شيخ يعرفه، فإنّه ينكح امرأة حسناء، وينال أنواع الفواكه لقوله تعالى: " لَهُمْ فِيَها فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدّعُون. سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَب رَحيمٍ " . فإن سلّم عليه شاب لا يعرفه فإنّه يسلم من شر أعدائه.
ومن كان يخطب إلى رجل، فرأى كأنّه يسلم على ذلك الرجل، فرد عليه جواب سلامه، فإنه يزوجه، فإن لم يرد سلامه لم يزوجه. وكذلك إن كان بينه وبين رجل تجارة في منامه كأنّه سلم عليه فرد جوابه، استقامت تلك التجارة بينهما، فإن لم يرد جوابه لم تستقم.
الباب الثامن
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الطهارة

قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: أولى الطهارات بتقديم الذكر الختان، وهي من الفطرة، فمن رأى كأنه اختتن، فقد عمل خيراً طهره الله به من الذنوب وأحسن القيام بأمر الله تعالى. ولو قالت قائل أنّه يخرج من الهموم لم يبعد.

فإن رأى كأنّه أقلف، فإن القلفة زيادة مال ووهن في الدين، وهذه الرؤيا تدل على أنّ صاحبها يترك الدين لأجل الدنيا.

فإن رأى أنّه اختتن فسالط منه دم كثير، خرج عن ذنوبه وأقبل على إقامة سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والسواك من الفطرة أيضاً، وهذه رؤيا أهل السنة.

فمن رأى أنّه يستاك، فإنّه يكون محسناً إلى أقاربه، واصلاً لرحمه. فإن رأى أنّة يستاك بشيء نجس، فإنّه ينفق مالاً حراماً في طاعة.

ومن رأى أنّه يتوضأ وضؤه للصلاة، فإنّه أمان من الله تعالى.

ومن رأى أنّه جنب، فإنّه يسافر ويطلب حاجة لا سوى لها.

ومن رأى أنّه اغتسل فإنّه يقضي حاجة، والاخ خسال يطهر الذنوب، ويكشف الهموم.

ومن رأى أنّه اغتسل ولبس ثياباً جدداً، فإن كان معزولاً عن ولاية ردت إليه.

إن كان فقيراً أثرى وغني، وإن كان مسجوِناً خلي سبيله، وإن كان مريضاً عوفي، وإن كان تاجراً قد كسدت تجارته، أو صانعاَ قد تعذرت عليه صنعته، استقام أمرهما وتجدد لهما أمر في أتم دولة، وإن كان مصروراً حج، وإن كان مهموماً فرج الله همه، وإن كان مديوناً قضى الله دينه، لأنّ أيوب حين اغتسل لبس ثياباً جدداً، وهب الله له أهله ومثلهم معهم، وذهب همه وصح جسمه.

إن رأى أنّه اغتسل ولبسر ثياباً خلقاً، فإنّه يذهب همه ويفتقر.

من رأى أنّه يغتسل إلا أنّه لم يتم اغتساله، لم يتم أمره، ولم ينل ما يطلبه.

من رأى كأنّه يتوضأ أو يغتسل في سرب، فإنّه يظفر بشيء كان سرق له. ومن رأى كأنّه يتوضأ ودخل في الصلاة ،خرج من الهموم وشكر الله تعالى على الفرج.

من رأى كأنّه يتوضأ بما لا يجوز الوضوء به، فهو في هم ينتظر الفرج ولا يناله.

إن رأى تاجر أنّه يصلي بغير وضوء، فإنّه يتجر من غير رأس مال. وإن رأى أمير هذه الرؤيا فلا يجتمع له جند، وإن رآها محترف لم يستقر به قرار.

من رأى أنّه يصلي بغير وضوء في مكان لا تجوز الصلاة فيه، فإنّه متحير في أمر لا يجد منه خلاصاً. وقيل الوضوء في المنام أمانة يؤديها أو دين يقضيه أو شهادة يقيمها.
روى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت رجلاً من أُمتي قد بسط عليه العذاب في القبر، فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك " .
ومن رأى أنّه يتيمم فقد دنا فرجه، وقربت راحته، لأنّ التيمم دليل الفرج القريب من الله تعالى.
الباب التاسع
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الأذان والإقامه

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن قريش، قال أخبرنا الحسن بن سفيان، أحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، قال حدثنا وهب بن جرير، قال حدثنا أبي، قال حدثنا محمد بن إسحاق، قال حدثني محمد بن أبراهيم بن الحرث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالذي رأيته من الأذان، فقال، إنّ هذه الرؤيا حق فقم فألقها على بلال فإنّه أندى صوتاً منك قال ففعلت. قال فجاء عمربن الخطاب رضي الله عنه لما سمع أذان بلال يجر ثوبه وقال: يا رسول الله رأيت مثل ما رأى عبد الله بن زيد. قال: فقال: الحمد لله فذلك أثبت.
وأخبرنا أبو بكر، قال أخبرنا الحسن بن سفيان. عن إسماعيل بن عبيد الحراني عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن محمد عبد الله بن زيد الأنصاري، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فنمت، فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً، فملت يا عبد الله أتبيع الناقوس، قال وما تصنع به؟ قلت ننادي به للصلاة، قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت بلى. قال تقول الله أكبر، ثم لقنني كلمات الأذان، ثم مشى هنية ولقنني كلمات الإقامة. فلما استيقظت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال عليه السلام: أخاكم قد رأى رؤيا، فأخرج مع بلالط إلى المسجد، فألقها عليه، فليناد بها فإنّه أندى صوتاً منك، فخرجت معه فجعلت ألقيها وينادي بها بلال، فسمع عمربن الخطاب رضي الله عنه الصوت فخرج فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد رأيت مثل رأى.
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه.
من رأى أنّه أذن مرة أو مرتين، وأقام وصلى صلاة فريضة، رزق حجاً وعمرة، لقوله تعالى: " وأذِّنْ فِي النّاس بالَحجِّ " . ولأن بعرفات يؤذن ويقام مرتين مرتين. فإن رأى كأنّه يؤذن على منارة، فإنّه يكون داعيَاَ إلى الحق ويرجى له الحج. فإن رأى كأنّه يؤذن في بئر، فإنّه يحث الناس على سفر بعيد. فإن رأى كأنّه مؤذن وليس بمؤذن في اليقظة ولي ولاية بقدر ما بلغ صوته إن كان للولاية أهلاً. فإن رأى كأنّه يؤذن على تل أصاب ولاية من رجل أعجمي، وإن لم يكن للولاية أهلاً فإنّه يصيب تجارة رابحة أو حرفة عزيزة. فإن رأى أنّه زاد في الأذان أو نقص منه أو غير ألفاظه، فإنه يظلم الناس بقدر الزيادة والنقصان. وإن أذن في شارع، فإن كان من أهل الخير فإنّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كان من أهل الفساد فإنّه يضرب، ومن رأى كأنّه يؤذن على حائط فإنّه يدعو رجلاً إلى الصلح، وإن أذن فوق بيتٍ فإنّه يموت أهله، فإن أذن فوق الكعبة فإنّه يظهر بدعة، والأذان في جوف الكعبة لا يحمد، ومن أذن على سطح جاره فإنّه يخون جاره في أهله. ومن أذن بين قوم فلم يجيبوه فإنّه بين قوم ظلمة، لقوله تعالى: " فَأذَّنَ مُؤَذْن بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ الله عَلَى الظّالمينْ " .
ومن رأى أنّه أذن وأقام، فإنّه يقيم سنة ويميت بدعة. ومن رأى صبياً يؤذن فإنّه براءة لوالديه من كذب وبيتان، لقصة عيسى عليه السلام. والأذان في الحمام لا يحمد ديناً ولا دنيا، وقيل أنّه يقود. فإن أذن في البيت الحار، فإنه يحم حمى ناقض. فإن أذنٍ في البيت البارد، فإنّه يحم حمى حارة، ومن أذن على باب سلطان، فإنّه يقول حقاً.


وحكي عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: الأذان مفارقة شريك، لقوله تعالى: " وَأذَانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إلىَ النّاس يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَر " . الاية فإن أذن في قافلة فإنه يسرق، لقوله تعالى: " أيَّتُهَا العِيرُ إنّكُمْ لَسَارِقون " . والأذان في البرية أو المعسكر يكون جاسوساً للصوص ومن كان محبوساً فرأى كأنّه يقيم أو يصلي قائماً، فإنّه يطلق. لقوله تعالى: " فَإنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصلاة " . ومن رأى غير محبوس أنه يقيم إقامة الصلاة، فإنّه يقوم له رفيع يحسن الثناء عليه فيه. ومن رأى كأنّه أقام على باب داره فوق سرير، فإنّه يموت. ومن رأى كأنّه يؤذن على سبيل اللهو واللعب، سلت عقله، لقوله تعالى: " وَإذَا نَادَيْتُمْ إلىَ الصَّلاة اتّخذُوهَا هُزْواً وَلَعِبَاً ذَلِكَ بأنّهمْ قَوْئم لا يَعْقِلُونَ " .
وحكي عن دانيال الصغير أنه قال: من رأى كأنّه أذن وأقام وصلى، فقد تم عمله، وهو دليل الموت. ومن سمع أذاناً في السوق، فإنّه موت رجل من أهل تلك السوق. ومن سمع أذاناً يكرهه، فإنه ينادي عليه في مكروه.
قال الأستاذ أبو سعد: الأصل في هذا الباب، أنّ الأذان إذا رآه من هو أهل كان محموداً إذا أذن في موضعه. وإذا رآه من ليس بأهل، أو رآه في غير موضعه، كان مكروهاً. فإن أذن في مزبلة فإنّه يدعو أحمق إلِى الصلح ولا يقبل منه، وإن أذن في بيت فإنّه يدعو امرآة إلى الصلح، فإن أذن مضطراً فإنّه يغشى امرأة.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين، فقال رأيت كأنّي أؤذن، فقال تحج. وأتاه آخر فقال رأيت كأنّي أؤذن فقال تقطع يدك، قيل له كيف فرقت بينهما؟ قال رأيت للأول سيماً حسنة، فأولت " وأذن في الناس بالحج " . ورأيت للثاني سيماً غير صالحة فأولت " فأذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " .
الباب العاشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الصلاة وأركانها
قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: الأصل في رؤيا الصلاة في المنام أنّها محمودة ديناً ودنيا، وتدل على إدراك ولاية ونيل رسالة، أو قضاء دين، أو اداء أمانة أو إقامة فريضة من فرائض الله تعالى. ثم هي على ثلاثة أضرب، فريضه وسنة وتطوع، فالفريضة منها تدل على ما قلنا، وأنّ صاحبها يرزق الحج ويجتلب الفواحش، لقوله تعالى: " إن الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ " .
والسنّة تدل على طهارة صاحبها وصبره على المكاره، وظهور اسم حسن له، لقوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " . وشفقة على خلق الله تعالى، وعلى أنّه يكرم عياله ومن تحت يده، ويحسن إليهم، فوق ما يلزمه ويجب عليه في الطعام والكسوة، ويسعى في أمور أصدقائه فيورثه ذلك عزاً. والتطوع يقتضي كمال المروءة وزوال الهموم.
فإن رأى كأنّه يصلي فريضة الظهر في يوم صحو، فإنّه يتوسط في أمر يورثه ذلك عزاً حسب صفاء ذلك اليوم، فإن كان يوم غميم، فإنّه يتضمن حمل غموم. فإن رأى أنّه يصلي العصر، فإنّه يدل على أنّ العمل الذي هوفيه لم يبق منه إلا أقله.
فإن رأى أنّه يصلي الظهر في وقت العصر، فإنّه يقضي دينه. فإن رأى إحدى الصلاتين انقطعت عليه، فإنّه يقضي نصف الدين أو نصف المهر، لقوله تعالى: " فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُم " .
فإن رأى كأنّه يصلي فريضة المغرب، فإنّه يقوم بما يلزمه من أمر عياله، فإن رأى أنّه يصلي العتمة، فإنّه يعامل عياله بما يفرحٍ به قلوبهم وتسكن إليه نفوسهم، فإن رأى كأنّه يصلي فريضة الفجر، فإنّه يبتدىء أمراً يرجع إلى إصلاح معاشه ومعاش عياله. فإن رأى كأنّه يصلي الظهر أو العصر أو العتمة ركعتينِ، فإنه يسافر. فإن رأت مثلها امرأة، حاضت من يومها. فإن رأى كأنه يصلي قاعداَ من غير عذر، لم يقبل عمله. فإن رأى كأنّه يصلي على جنبه مرض.
فإن رأى كأنّه يصلي راكباً أصابه خوف شديد، فإن رأى كأنّ الإمام يصلي بالناس وهو راكب وهم ركبان، فإن كانوا في حرب رزقوا الظفر. فإن رأى كأنّه يصلي في بستان، فإنّه يستغفر اللهّ، فإن رأى كأنّه صلى في أرض مزروعة قضى الله دينه منها.
فإن رأى كأنّه يصلي في مسلخ حمام، دل ذلك علىِ فساد يرتكبه، وقيل إنّه يلوط بغلام، فإن رأى كأنّ صلاة مفروضة فاتته ولا يجد موضعاَ يقضيها فيه، تعذر عليه نيل ما يطلبه، فإن رأى كأنّه يصلي في جماعة مستوية الصفوف، فإنّهم يكثرون التسبيح والتهليل، لقوله تعالى: " وإنّا لَنَحْنُ الصَّافّونَ وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّخون " . فإن رأى كأنّه ترك صلاة فريضة، فإنه يستخف ببعض الشرائع.
والسجدة في المنام دليل الظفر، ودليل التوبة من ذنب هو فيه، ودليل الفوز بمال، ودليل طول الحياة، ودليل النجاة من الأخطار. فإن رأى كأنه سجد للّه تعالى على جبل، فإنّه يظفر برجل منيع. فإن رأى أنّه سجد لغير الله تعالى، لم تقض حاجته، وقهر إن كان في حرب، وخسر إن كان تاجراً.
فإن رأى كأنّه قائم في الصلاة فلم يركع حتى ذهب وقتها، فإنّه يمنع الزكاة المفروضة، فلا يؤديها. فإن رأى كأنّه يصلي فيأكل العسل، فإنّه يأتي امرأته وهو صائم. فإن رأى كأنّه قاعد يتشهد، فرج عنه همه وقضيت حاجته. فإن رأى كأنه سلم وخرج من صلاته على تمامها، فإنّه يخرج من همومه، فإن سلّم عن يمينه دون يساره صلح بعض أموره، فإن سلّم عن يساره دون يمينه فإنّه يتشوش عليه بعض أحواله. فإن رأى أنّه يصلي نحو الكعبة، دل على استقامة دينه. فإن صلى نحو المغرب، دل على رداءة مذهبه وجراءته على المعاصي، لأنّه قبلة اليهود، وهم اجترؤوا على لمحذ الحيتان يوم سبتهم. فإن صلى نحو المشرق، دل على ابتداعه واشتغاله بالباطل، لأنه قبلة النصارى. فإن صلى وظهره للقبلة في الصلاة دل على نبذه الإسلام وراء ظهره بارتكاب بعض الكبائر. فإن رأى أنّه لا يهتدي إلى القبلة فإنّه متحيّر في أمره، فإن صلى إلى غير القبلة إلا أنّ عليه ثياباً بيضاً وهو يقرأ القران كما يجب، رزق الحج. لقوله تعالى: " فَأيْنَمَا تَوَلوا فَثمَّ وَجْهُ الله " .
فإن رأى مَنْ ليس بإمامِ في اليقظة كأنّه يؤم الناس في الصلاة، كان للولاية أهلاً، نال ولاية شريفة وصار مطاعاَ. فإن أم بهم إلى القبلة وصلى به صفة تاما عدل في ولايته. وإن رأى في صلاتهم ناقصاناً أو زيادة أو تغيراً جار في ولايته، وأصابه فقر ونكبة من جهة اللصوص، فإن صلى بهم قائماً وهمٍ جلوس، فإنّه لا يقصر في حقوقهم ويقصرون في حقه، أو تدل رؤياه أنّه يتعهد قوما مرضى. فإن صلّى بقوم قاعداً وهم عيام، فإنّه يقصر في أمر يتولاه.
فإن صلى بقوم قيام وقوم قعود، فإنّه يلي أمر الأغنياء وأمر الفقراء. فإن صلّى بهم قاعداً وهم قعود، فإنّهم يبتلون بغرق أو سرقة ثياب أو افتقار. فإن رأى أنّه يصلّي بالنساء فإنّه يلي أمور قوم ضعاف. فإن أمَّ بالناس على جنبه أو مضطجعاً وعليه ثياب بياض، وينكر موضعه ذلك، ولا يقرأ في صلاته، ولا يكبر، فإنّه يموت ويصلّي الناس عليه. وكذلك إن رأت امرأة كأنّها تؤم بالرجال ماتت، لأنّ المرأة لا تقدم الرجال إلا في الموت. فإن رأى الوالي أنّه يؤم بالناس عزل وذهب ماله.
ومن صلى بالرجال والنساء، نال القضاء بين الناس إن كان أهلاً لذلك، وإلا نال التوسط والإصلاح بين الناس. ومن رأى أنّه أتمّ الصلاة بالناس تمت ولايته.
فإن انقطعت عليه الصلاة انقطعت ولايته، ولم تنفذ أحكامه ولا كلامه. فإن صلى وحده والقوم يصلون فرادى، فإنّهم خوارج. فإن صلى بالناس صلاة نافلة دخل في ضمان لا يضره. فإن كان القوم جعلوه إماماً، فإنّه يرث ميراثاً، لقوله تعالى: " وَنْجَعَلَهُمْ أئمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ " . فإن رأى كأنّه أمَّ بالناس ولا يحسن أن يقرأ، فإنّه يطلب شيئاً لا يجده. ومن صلى بقوم فوق سطح، فإنه يحسن إلى أقوام يكون له بذلك صيت حسن، من جهة فرض أو صدقة.
فإن رأى أنّه يدعو دعاء معروفاً، فإنّه يصلي فريضة، فإن دعا دعاء ليس فيه اسم الله، فإنّه يصلي صلاة رياء. فإن رأى كأنّه يدعو لنفسه خاصية، رزق ولداً لقوله تعالى: " إذْ نَادى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيّاً " .
فإن كان يدعو ربه في ظلمة ينجو من غم، لقوله تعالى: " فَنَادى في الظُلَماتِ " . وحسن الدعاء دليل على حسن الدين، والقنوت دليل على الطاعة، وكثرة ذكر الله تعالى دليل على النصر، لقوله تعالى: " وَذَكَرُوا الله كَثِيراً واْنَتَصرُوا مِنْ بَعْد ما ظُلِموا " .
ومن رأى كأنّه يستغفر الله تعالى، رزق حلالاً وولداً، لقوله تعالى " اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إنّهُ كَانَ غَفّاراً " . فإن رأى كأنه فرغ من الصلاة واستغفر الله تعالى ووجهه إلى القبلة، فإنّه يستجاب دعاؤه، وإن كان وجهه إلى غير القبلة، فإنّه يذنب ذنباً ويموت منه، فإن سكت عن الاستغفار دل على نفاقه، لقوله تعالى: " وَإذْا قِيلَ لَهُمْ تَعَالُوْا يَسْتَغْفرْ لَكُمْ رَسُولُ الله " .
فإن رأت امرأة كأنّه يقال لها استغفري لذنبك فإنّها تتهم بذنب وفاحشة، لقصة زليخا، فإن رأى أنّه يقول سبحان الله، فرج عنه همومه من حيث لا يحتسب، فإن رأى كأنّه نسي التسبيح، أصابه حبس أو غم، لقوله تعالى: " فَلَولا أنّهُ كَانَ مِنَ المًسَبِّحِينَ " .
فإن رأى كأنه قال لا إله إلا الله: أتاه الفرج من غم هو فيه، وختم له بالشهادة.
فإن رأى كأنّه يكبر الله: أتى مناه ورزق الظفر بمن عاداه. فإن رأى كأنّه يحمد اللهّ، نال نوراً وهدى في دينه. ومن رأى كأنه يشكر الله تعالى، نال قوة وزيادة نعمة. وإن كان صاحب هذه الرؤيا والياً، ولي بلدة عامرة، لقوله تعالى " واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌ غفور " .
وقيل من رأى كأنّه يحمد الله، رزق ولداً لقوله تعالى: " الحمدُ للّه الذيِ وَهَبَ لي عَلَى الكِبَرِ إسْمَاعِيلَ " ، ومن رأى كأنّه صلّى يوم الجمعة، فإنّه يسافر سفراَ ممتنعاً ينال خيراً وبراً ورزقاً وفضلاً.
ومن رأى كأنّه صلى صلاة الجمعة يوم الجمعة، 1جتمعت له أموره المتفرقة وأصاب بعد العسر يسراً، وقيل من رأى هذه الرؤيا فإنّه يظن بأمر خيراً وليس كذلك.
ومن رأى كأنّه فرغ من الصلاة وقضاها، نال من الله فضلاً ورزقاً واسعاً. فإن رأى أنّ الناس يصلون الجمعة في الجامع وهو في بيته أو حانوته أو قرية يسمع التكبير والركوع والسجود والتشهد والتسليم، ويظن أنّ الناس قد رجعوا من الصلاة، فإن والي تلك الكورة يعزل. وإن رأى كأنّه يحفظ الصلاة، فإنّه ينال كرامة وعزاً، لقوله تعالى: " الذِينَ هُمْ عَلَىِ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظون " فإن رأى أنّه صلى وخرج من المسجد فإنه ينال خيراً ورزقاً، لقوله تعالى: " فإذا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأرْض وَابتَغُوا مِنْ فَضْل الله واذْكُروا الله كَثِيرَاً لَعلّكُمْ تُفْلِحُون " .
الباب الحادي عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا المسجد والمحراب والمنارة ومجالس الذكر

أخبرنا عبد الله بن حامد الفقيه، قال أخبرنا إبراهيم بن محمد الهروي، قال أنبأنا أبو شاكر ميسرة بن عبداللهّ، عن أبي عبد الله العجلي، عن عمرو بن محمد، عن العزيز بن أبي داود، قال: كان رجل بالبادية قد اتخذ مسجداً، فجعل في قلبه أحجار، فكان إذا قضى صلاته، قال يا أحجار أشهدكم أن لا إله إلا اللهّ. قال فمرض الرجلِ فمات، فعرج بروحه، قال فرأيت في منامي أنّه قال أُمر بي إلى النار، فرأيت حجراً من تلك الأحجار قد عظم، فسد عني باباً من أبواب جهنم، قال حتى سد بقية الأحجار أبواب جهنم.

قال الأستاذ أبو سعد: من رأى في منامه مسجداً محكماً عامراً، فإن المسجد رجل عالم يجتمعٍ الناس عنده في صلاحه وخير وذكر الله تعالى لقوله عزّ وجلّ: " يذكر فِيها اسمُ الله كَثِيراً " . فإن رأى كأنّ المسجد انهدم، فإنّه يموت هناك رئيس صاحب دين، فإن رأى أنّه يبني مسجداً، فإنّه يصل رحمه ويجمعِ الناس على خير. وبناء المسجد يدل على الغلبة على الأعداء، لقوله تعالى: " قَال الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أمرهم لَنَتَخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجداً " . فإن رأى كأن رجلاً مجهولأ أم بالناس في مسجد،وكان إمام ذلك المسجد مريضاً، فإنّه يموت. فإن رأى كأنّ مسجداً تحوِل حماماً، دل أنّ رجلاً مستوراً يرتكب الفسوق. ومن رأى كأن بيته تحول مسجداَ، أصاب شرفاً، داعياً للناس من الباطل إلى الحق. ومن رأى كأنّه دخل مع قوم مسجداً فحفر حفرة، فإنّه يتزوّج.
ومن رأى كأنّه يصلّي في المحراب: فإنّه بشارة، لقوله تعالى: " فَنَادَتْهُ المَلاَئكة وهو قَائِمٌ يُصلِّي فِي المَحْرابِ " . فإن كان صاحب الرؤيا امرأة ولدت ابناً.
ومن رأى كأنّه يصلّي في المحراب صلاة لغير وقتها، فإنّ ذلك خير يكون لعقبه بعده. فإن رأى أنّه بال في المحراب قطرة أو قطرتين أو ثلاثاً، فكل قطرة ابن بب وجيه يولد له. والمحراب في الأصل إمام رئيس.


وحكي أنّ رجلاً رأى في منامه كأنّه بال في المحراب، فسأل معبراً فقال: يولد، غلام يصير إماماً يقتدى به.
وأما المنارة: فهو رجل يجمع الناس على خير، وانهدام منارة المسجد موت ذلك الرجل، وخمول ذكره، وتفرق جماعة ذلك المسجد. ومنارة الجامع صاحب البريد أو رجل يدعو الناس إلى دين الله تعالى. ومن رأى كأنّه سقط من منارة في بئر، ذهبت دولته، ودلت رؤياه على أنّه يتزوج امرأة سليطة، وله امرأة دينة جميلة.
ورأى مهندس كأنّه ارتقى منارة عظيمة من خشب وأذن، فقص رؤياه على معبر، فقال يصيب ولاية وقوة ورفعة في إنفاق، فولي بلخ.
وقيل أنّ القعقاع ركبه دين عشرة آلاف درهم، وكان مغموماً، فرأى والده في منامه على شرف منارة يسبح الله ويهلل، فلما رآه دعاه واستيقظ، فسأل المعبر عنه، فقال إنّ المنارة علو ورفعة يصيبها أبوك. قال فإنّ أبي ميت، قال المعبر ألست ابنه؟ قال نعم. قال لعلك تكون عالماً أو أميراً، وأما تسبيحه فإنّك في غم وحزن ويفرجه الله عزّ وجل عنك، لقوله تعالى: " فَنَادىِ في الظُلُمَاتِ أنْ لا إله إلا أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كنْتُ مِنَ الظّالِمين " . فلم يلبث إلا قليلاَ فإذا رجل قد أخذ بيده، وقال له أنت القعقاع؟ فقال في نفسه ليس هذا إلا غريم ملازم، فقال له سعدانة امرأة مريضة وهي توصي إتدعوك، قال فذهب معه فإذا جماعة من المشايخ وكتاب مكتوب أنّ سعدانة جعلت ئلث مالها للقعقاع، فأوصت له بثلث مالها وماتت بعد ثلاثة أيام.
ومن رأى كأنّه يصلي في بيت المقدس ورث ميراثاً أو تمسك ببر، وإن رأى أنّه على مصلى رزق الحج والأمن، لقوله تعالى: " واتّخِذوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيمَ مُصَلّى " . ومن رأى أنّه يصلي في بيت المقدس إلى غير القبلة، فإنّه يحج. فإن رأى كأنّه يتوضأ في بيت المقدس، فإنّه يصير فيه شيئاً من ماله. والخروج منه يدل على سفر وذهاب ميراث منه، إن كان في يده.
فإن رأى أنّه أسرج في بيت المقدس سراجاً أصيب في ولده، أو؟ إن عليه نذر في ولده يلزمه الوفاء به.
وأما الْعالْم فهو طبيب الدين، والمذكر ناصح، لقوله تعالى: " وَذَكّرْ فَإنً الذكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنينَ " . فإن رأى كأنّه يذكر وليس من أهله، فإنه في همِ ومرض، وهو يدعو الله تعالى بالفرج. فإن تكلم بالخنا بالحكمة شفي وقضى ديناَ إن كان عليه، ونصر على من ظلمه. وإن تكلّم بالخنا تعسر عليه الأمر وصار ضحكة يستخف به. والْقاص رجل حسن المحضر، لقوله تعالى: " نَحْنُ نَقْص عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصَص " . فإن رأى كأنّه يقص، أمن من خوف، لقوله تعالى: " فَلَمّا تجاءَهُ وقصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قَالَ لآتخَفْ " . وإن رآه تاجر نجا من الخسران.
وإذا رأى في مكان مجلس ذكر: وقراءة قرآن ودعاء و****د أشعار زهدية، فإنّ ذلك الموضع يعمر عمارة محكمة على قدر صحة القراءة. وإن وقع في القرآن لحن لم يكمل ولم يتم، وإن أنشد أشعار الغزل فتلك ولاية باطلة.
الباب الثاني عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الزكاة والصدقة والإطعام وزكاة الفطر
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد جميع الغساني بصيدا قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن علي الهمداني، قال حدثنا إبراهيم بن الحسين بن علي الهمداني، عن أبي معمر عبد الله بن عمر المقري، عن عبد الوارث بن سعيد، عن الحسن بن ذكوان المعلم، أنّ يحيى بن كثير حدثهم، أنّ عكرمة بن خالد حدثه، أنّ عمربن الخطاب رضي الله عنه، رأى في المنام، قيل له لتتصدق بأرضك، ثم قيل له ذلك مرات ثلاث، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك، فقال: يا رسول الله إنه لم يكن لنا مال أوصف لنا منه، فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدّق بها وأشرط.
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى كأنه يوفي زكاة ماله بشرائطها فإنّه يصيب مالاً وثروة لقوله تعالى: " وَمَا اتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ " .
ورؤية الصدقة في المنام: تختلف باختلاف أحواله الرائينِ، فإن رأى عالم كأنّه يتصدّق، فإنّه يبذل للناس علمه. فإن رآها سلطان ولي أقواماً، وإن رآها تاجر ارتفق بمبايعته أقوام. وإن رآها محترف، علم الأجراء حرفته. ومن رأى كأنّه أطعم مسكيناً، خرج من همومه وأمن إن كان خائفاً، فإن أطعم كافراً فإنّه يقوي عدواً وتأويل المسكين هو الممتحن، ومن رأى كأنّه أدى زكاة الفطر فإنه يكثر الصلاة والتسبيح، لقوله تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلى " ، ويقضي ديناً إن كان عليه، ولا يصيبه في عامه ذلك مرض ولا سقم.
الباب الثالث عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الصوم والفطر
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: اختلف المعبرون في تأويلهم الصوم، فقال بعضهم من رأى أنّه في شهر الصوم، دلّت رؤياه على غلاء السعر وضيق الطعام. وقال بعضهم أنّ هذه الرؤيا تدل على صحة دين صاحب الرؤيا، والخروج من الغموم، والشفاء من الأمراض، وقضاء الديون. فإن رأى كأنه صام شهر رمضان حتى أفطر، فإن كان في شك يأتيه البيان، لقوله تعالى: " هُدَىً للناس وَبَيِّنَاتِ " . فإن كان صاحب الرؤيا أُميَاَ حفظ القرآن، فإن رأى أنّه أفطر شهر رمضان عمداً جاحداً، فإنّه يستخف ببعض الشرائع. فإن رأى أنّه أقر بحقيقة الصوم واشتهى قضاءه، فهو رزق يأتيه عاجلاً من حيث لا يحتسب.
وقال بعضهم أنّ من رأى أنّه يفطر في شهر رمضان، فإنّه يصيب الفطرة وقال بعضهم أنّه يسافر في رضا الله تعالى، لقوله عزّ وجلّ: " فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَىِ سَفَر " . وقيل أنّه من رأى أنّه أفطر في شهر رمضان متعمداً، فإنّه يقتل رجلاَ متعمداً. ومن رأى أنّه قتل مؤمناً متعمداً، فإنّه يفطر في شهر رمضان متعمداً. ومن رأى كأنّه صام شهرين متتابعين لكفارة، فإنّه يتوب من ذنب هو فيه. ومن رأى كأنّه يقضي صيام رمضان بعد خروج الشهر، فإنّه يمرض.
ومن صام تطوعاً لم يمرض تلك السنة، لما روي في الخبر: " صوموا تصحّوا " .
ومن رأى كأنّه صائم دهره، فإنّه يجتنب المعاصي. ومن رأى كأنّه صائم لغير الله تعالى، بل للرياء والسمعة، فإنّه لا يجد ما يطلبه. فإن رأى إنسان تعوّد صيام الدهر أنّه أفطر، فإنّه يغتاب إنساناً أو يمرض مرضاً شديداً.
ومن رأى أنّه صائم ولم يدر أفرض هو أو نفل، فإنّ عليه قضاء نذر، لقول الله تعالى: " إنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إنْسِيّاً " . وربما يلزم الصمت لأنّ أصل الصوم السكوت. ومن رأى كأنّه في يوم عيد، فإنّه يخرج من الهموم ويعودإليه السرور وا ليسر.
الباب الرابع عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين

في تأويل رؤيا الحج والعمرة والكعبة والحجر الأسود
والمقام وزمزم وما يتصل به والأضاحي والقربانات
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى كأنّه خارج إلىِ الحج في وقته،فإن كان صرورة رزق الحج، وإِن كان مريضاً عوفي، وإِن كان مديوناَ قضي دينه، وإن كان خائفاً أمن، وإن كان معسراً يسر، وإن كان مسافراَ سلم، وإن كان تاجراً ربح، وإن كان معزولاً ردت إليه الولاية، وإن كان ضالاً هدي، وإن كان مغموماً فرجِ عنه. فإن رأى كأنّه خارج إلى الحج ففاته، فإنّه إن كان والياً عزل، وإن كان تاجراً خسر، وإن كان مسافراً قطع عليه الطريق وإن كان صحيحاً مرض.
فإن رأى أنّه حجٍ أو اعتمر طال عمره واستقام أمره. فإن رأى أنّه طاف بالبيت،ولاه بعض الأئمة أمرا شريفاً، فإن رأى أنه طاف على الكعبة ومكة، فإنّه يأتي ذات محرم. فإن رأى كأنّه يلبي في الحرم، فإنّه يظفر بعدوّه، ويأمن خوف الغالب. فإن لبى خارج الحرم، فإنّ بعض الناس يغلبه ويخيفه. ومن رأى كأنّ الحج واجب عليه ولا يحج، دل على خيانته في أمانته، وعلى أنّه غير شاكر لنعم الله تعالى.

ومن رأى كأنّه في يوم عرفة، وصل رحمه، ويصالح من نازعه، وإن كان له غائب رجع إليه في أسر الأحوال، فإنّ الله تعالى جمع بين آدم وحواء في هذا اليوم وعرفها له.

فإن رأى أنّه يصلي في الكعبة فإنّه يتمكن من بعض الأشراف والرؤساء، وينال أمناً وخيراً. ومن رأى كأنّه أخذ من الكعبة شيئاً، فإنّه يصيب من الخليفة شيئاً. والكعبة في الرؤيا خليفة أو أمير أو وزير، وسقوط حائط منها يدل على موت الخليفة. ورؤية الكعبة في المنام بشارة بخير قدمه، أو نذارة من شر قد همّ به. فإن رأى كأنّ الكعبة داره، فإنّه لا يزال ذا خدم وسلطان ورفعة وصيت في الناس، إلا أن يرى الكعبة في هيئة رديئة، فذلك لا خير فيه. فإن رأى كأنّ داره الكعبة، فإنّ الإمام يقبل إذاً عليه ويكرمه .وقيل من رأى أنّه دخل الكعبة، فإنّه يدخلها إن شاء اللهّ، وقيل أنّه يدخل علىالخليفة. فإن رأى أنّه سرق من الكعبة رماناً، فإنّه يأتي ذا محرم، فإن رأى أنّه يصلي فوق الكعبة، فإنّ دينه يختل. فإن رأى أنّه ولي ولاية بمكة، فإن الخليفة يقلده بعض فإن رأى أنّه توجه نحو الكعبة صلح دينه، فإن رأى أنّه أحدث في الكعبة دل على مصيبة تنال الخليفة. فإن رأى أنّه مجاور بمكة، فإنّه يرد إلى أرذل العمر. فإن رأى أنّه بمكة مع الأموات يسألونه، فإنّه يموت شهيداً.

وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأني أُصلي فوق الكعبة. فقال:اتق الله، فإني أراك خرجت عن الإسلام.
ورأى مهندس أنّه دخل الحرم وصلّى على سطح الكعبة، فقص رؤياه على معبر،فقال تنال أمناً وولاية، وتجبي جباية من كل مكان، مع سوء المذهب ومخالفة السنة. فكان ذلك.
ورأى رجل كأنّه تخطى الكعبة، ثم قصها على ابن سيرين، فقال: هذا رجل، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل في هوى، ألا ترى أنّه يتخطى القبلة، فكان كذلك،لأنه دخل في الإباحة.
ومن رأى كأنّه مس الحجر الأسود، فقيل إنّه يقتدي بإمام من أهل الحجاز. فإن قلع الحجر الأسود واتّخذه لنفسه خاصة، فإنّه ينفرد في الدين ببدعة. ومن رأى كأنّه وجد شجر بعدما فقده الناس فوضعه مكانه، فهذه رؤيا رجل يظن أنّه على الهدى، وسائر الناس على الضلالة.
ومن شرب من ماء زمزم، فإنّه يصيب خيراً، وينال ما يريده من وجه بر. فإن رأى أنه حضر المقام أو صلى نحوه، فإنّه يقيم الشرائع ويحافظ عليها. ويرزق الحج والأمن.
فإن رأى كأنّه يخطب بالموسم وليس بأهل الخطبة، ولا في أهل بيته من هو من أهلها، فإن تأويلها يرجع إلى سميه أو نظيره أو يناله بعضر البلاء، أو ينشر ذكره بالصلاح. ومن رأى كأنّه أحسن الخطبة والصلاة وأتمها بالناس، وهم يستمعون لخطبته، فإنّه يصير والياً مطاعاً. فإن لم يتمها لمٍ تتم ولايته وعزل. ومن رأى من ليس بمسلم أنّه يخطب، فإنّه يسلم أو يموت عاجلاً، فإن رأت امرأة أنّها تخطب وتذكر المواعظ، فهو قوة لقيمها، وإن كان كلامها في الخطبة غير الحكمة والمواعظ، فإنّها تفتضح وتشتهر بما ينكر من فعل النساء. وأمِا المنبر فإنّه سلطان العرب.
والمقام الكريمٍ : وجماعة الإسلام. فمن رأى أنّه على منبرِ وهو يتكلم بكلام البر، فإنّه إن كان أهلا أصاب رفعة وسلطاناً، وإن لم يكن للمنبر أهلاَ اشتهر بالصلاح، ثم إن لم يكن للمنبر أهلاً ورأى كأنّه لم يتكلم عليه، أو يتكلم بالسوء، فإنه يدل علر أنّه يصلب، والمنبر قد شبه بالجذع. وإن رأى والٍ أو سلطان أنّه على منبر، فانكسر أو صرع عنه، أو أنزل عنه قهراً فإنّه يعزل ويزول ملكه إما بموت أو غيره، فإن لم يكن صاحب الرؤيا ذا ولاية ولا سلطان رجع تأويله إلى سميه أو إلى ذي سلطان من عشيرته.
وحكي أنّ رجلاً أتى جعفر الصادق رضي الله عنه، فقال: رأيت كأنّي على منبر أخطب، فقال ما صناعتك؟ قال حمامي. فقال يسعى بك إلى السلطان فتصلب فكان كما عبره.
وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من رقدته ثم تبسم وقال: رأيت بني مروان يتعاقبون منبري. فكان كما رآه صلى الله عليه وسلم.
وأما الأضحية: فبشارة بالفرج من جميِع الهموم، وظهور البركة، لقوله تعالى: " وَبَشّرْنَاهُ بِإسْحَقَ نَبِياً مِنِ الصّالِحينَ. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلَى إسْحَقَ " . فإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملاً، فإنّها تلد ابناً صالحاً. ومن رأى أنّه ضحى ببدنة أو بقرة أو كبش، فإنّه يعتق رقاباً.

وإن رأى أنّه ضحى وهو عبد عتق. وإن كان صاحب الرؤيا أسيراً تخلص. وإن رآه مديون قضي دينه، أو فقير أُثري، أو خائف أمن، أو صرورة حج أو محارب نصر، أو مغموم فرج عنه ومن رأى كأنّه يقسم في الناس لحم قربانه خرج من همومه ونال عزاً وشرفاً. ومن رأى كأنه سرق شيئاً من القربان. فإنّه يكذب على الله. وقال بعضهم إن المريض إذا رأى أنّه يضحي، دلّت رؤياه على موته. وقال بعضهم إنّه ينال الشفاء.
وأما رؤية عيد الأضحى، فإنّه عود سرور ماض ونجاة من الهلكة، لأنّ فكاك إسماعيل كان فيه من الذبح.
الباب الخامس عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في رؤيا الجهاد
حدثنا محمد بن شاذان، قال حدثني محمد بن سليمان، عن الحسن بن علاء عن حسام بن محمد بن مطيع المقدسي، عن سعيد بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت يا رسول الله مسألة، قال هاتها، قلت الجهاد أفضل أم الرباط؟ فقال عليه السلام: الرباط، رباط يوم وليلة، خير من عبادة ألف سنة.
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.
فمن رأى كأنّه يجاهد في سبيل الله: فإنّه يجتهِد في أمر عياله وينال خيراً وسعة لقوله تعالى: " يَجدْ في الأرْض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسعَةَ " . ومن رأى كأنّه في الغزو وقد ولى وجهه القتال، فإنّه يترك السعي في أمر عياله، ويقطعِ رحمه، ويفسد دينه، لقوله تعالى: " فَهَلْ عَسَيْتُم إنْ تَوَلّيْتُم أنْ تُفْسِدوا فِي الأرْض وتقَطِعُوا أَرْحَامَكُمْ " . ومن رأى كأنّه يذهب إلى الجهاد، فإنّه ينال غلبة وفضلاً وثناءً حسناً ورفعة، لقوله تعالى: " وَفَضّل الله المُجَاهِدين عَلَى الْقَاعِدِينَ أجْراً عَظِيماً " . فإن رأى كأن الناس يخرجون إلى الجهاد فإنّهم يصيبون ظفراً وقوة وعزة.
وكذلك إذا رأى كأنّه يقاتل الكفار بسيف وحده، يضرب به يميناً وشمالاً، فإنّه ينصر على أعدائه. فإن رأى كأنّه نصر في الغزو، ربح في تجارته. فإن رأى غازٍ كأنّه يغير، نال غنيمة. فإن رأى كأنّه قتل فيِ سبيل الله، نال سروراً ورزقاً ورفعة، لقوله تعالى: " بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون. فرِحينَ بمَا آتَاهُم الله منْ فَضْلِهِ " . والفتوح في الغزو فتوح أبواب الدنيا.
  


الباب السادس عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الموت والأموات والمقابر والأكفان
ومما يتصل به من البكاء والنوح وغيرذلك
أخبرنا الوليد بن أحمد الزوزني، قال أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم،قال أخبرنا محمد بن يحيى الواسطي، قال حدثنا محمد بن الحسن البرجلاني، يحيى بن بسام، قالت حدثني عمر بن صبيح السعدي قال: رأيت عبد العزيز بن سليمان العابد في منامي، وعليه ثياب خضر، وعلى رأسه إكليل من لؤلؤ، فقلت أبا محمد كيف كنت بعدي؟ وكيف وجدت طعم الموت؟ وكيف رأيت الأمور هناك؟ فقال: الموت فلا تسأل عن شدة كربه وغمومه، إلا أنّ رحمة الله وارت منا كل عيب، نلناها إلا بفضله عزّ وجلّ.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله: الموت في الرؤيا ندامه من أمر عظيم،فمن رأى أنّه مات ثم عاش، فإنّه يذنب ذنباً ثم يتوب، لقوله تعالى: " رَبّنَا أَمَتّنَا اثنين وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فاعْتَرَفْنَا بذُنُوبنا " . ومن مات من غير مرض ولا هيئة من يموت، عمره يطول. ومنِ رأى كأنّه لا يموت، فقد دنا أجله. وإن ظن صاحب الرؤيا في منامه أنّه لا يموت أبداَ، فإنّه يقتلِ في سبيل الله عزّ وجلّ، ومن رأى أنّه مات، ورأى لموته مأتماً ومجتمعاً وغسلاً وكفناً، سلمت دنياه وفسد دينه.
ومن رأى أنّ الإمام مات، خربت البلدة. كما أنّ خراب البلدة دليل على موت الإمام، ومن رأى ميتاً معروفاً، مات مرة أُخرى وبكوا عليه من غير صياح ولا نياحة فإنّه يتزوجٍ من عقبه إنسان، ويكون البكاء دليل الفرج فيما بينهم، وقيل من رأى ميتاً مات موتا جديداً، فهو موت إنسان من عقب ذلك الميت وأهل بيته، حتى يصير ذلك الميت كأنّه قد مات مرة ثانية. فإن رأى كأنّه قد مات ولم ير هيئة الأموات ولا جهازهم فإنّه ينهدم من داره جدار أو بيت.

فإن كانت الرؤيا بحالها، ورأى كأنّه دفن على هذه الحالة، من غير جهاز ولا بكاء، ولا شيع أحد جنازته، فإنّه لا يعاد بناء ما انهدم. إلا إذا صار في يد غيره.

ومن رأى وقوع الموت الذريع في موضع، دل على وقوع الحريق هناك، فإن رأى كأنه مات وهو عريان على الأرض، فإنّه يفتقر. فإن رأى كأنّه علىِ بساط، بسطت له الدنيا، أو على سرير نال رفعة، أو على فراش نال من أهله خيراً. فإن رأى كأنّه وجد ميتاً، فإنّه يجد مالاً. فإن جاءه نعي غائب، فإنّه يأتيه خبر بفساد دينه وصلاح دنياه. فإن رأى كأنّ ابنه مات، تخلص من عدوه. وإن رأى كأنّ ابنته ماتت، أيس من الفرج. فإن رأى كأن رجلاً قال لرجل أنّ فلاناً مات فجأة، فإنّه يصيب المنعي غم مفاجأة، وربما مات فيه. فإن رأت حامل أنّها ماتت وحملت والناس يبكون عليها من غير رنة ولا نوح، فإنّها تلد ابناً وتسر به. وقال بعضهم رؤيا العزب الموت دليل على التزويج، وموت المتزوج دليل على الطلاق، فإنّ بالموت تقع الفرقة وكذلك رؤيا أحد الشريكين موته دليل فرقة شريكه.


وأما النياحة: فمن رأى كأنّ موضعاً يناح فيه، وقع في ذلك الموضع تدبير شؤم يتفرق به عنه أصحابه. وقيل أنّ تأويل النوح الزمر، وتأويل الزمر النوح.
وأما البكاء: حكي عن ابن سيرين أنّه قالت: البكاء في النوم قرة عين، وإذا اقترن بالبكاء النوح والرقص، لم يحمد. فإن رأى كأنّه مات إنسان يعرفه، وهو ينوح عليه ويعلن الرنة، فإنّه يقع في نفس ذلك الذي رآه ميتاً أو في عقبه مصيبة أو هم شنيع، فإن رأى كأنهم ينوحون على وال قد مات، ويمزقون ثيابهم وينفضون التراب على رؤوسهم، فإنّ ذلك الوالي يجور في سلطانه. فإن رأى كأنّ الوالي مات وهم يبكون خلف جنازته من غير صياح، فإنّهم يرون من ذلك الوالي سروراً. ومن رأى كأنّ الوالي مات والناس يذكرونه بخير، فإنّه يكون محموداً في ولايته. ومن رأى كأنّه بين قوم أموات، فهو بين أقوام منافقين يأمرهم بالمعروف فلا يأتمرِون بأمره قال الله تعالى: " فَإنّك َلا تُسْمِعُ المَوْتَى " . ومن رأى كأنّه لقي معهم ميتاَ فإنّه يموت على بدعة أو يسافر سفراً لا يرجع منه. ومن رأى كأنّه خالطهم ولامسهم، أصابه مكروه، من قبل أراذل.
وحكي عن بعضهم أنّ من رأى كأنّه يصاحب ميتاً، فإنّه يسافر سفراً بعيداً يصيبب فيه خيراً كثيراً. فإن حمل ميتاً على عنقه، نال مالاً وخيراً كثيراً. وإن أكل الميت طال عمره. ورؤية موت الوالي دليل على عزله، وسكر الميت لا خير فيه، وأما غسل الميت فمن رأى ميتاً يغسل نفسه، فهو دليل على خروج عقبه من الهموم وزيادة في مالهم. فإن غسله إنسان تاب على يد ذلك الإنسان رجل في دينه فساد. والمغتسل في الأصل تاجر نفاع ينجو بسببه أقوام من الهموم، ورجل شريف يتوب على يديه أقوام المفسدين، فمن رأى كأنّه على المغتسل، ارتفع أمره وخرج من الهموم. فإن رأى بعض الأموات يطلب من يغسل ثيابه، فإنّ ذلك فقره إلى فى دعاء، وصدقة، وقضاء دين أو إرضاء خصم، أو تنفيذ وصية. فإن رأى كأنّ إنساناً غسل ثيابه، فإنّ ذلك خير يصل إلى الميت من الغاسل.
وأما الكفن: فقد قيل هو دليل الميل إلى الزنا، فإن رأى كأنّه لم يتم لبسه، فإنه يدعى إلى الزنا فلا يجيب، ومن رأى كأنه ملفوف في الكفن كما تلف الموتى، د لت رؤياه على موته، فإن لم يغط رأسه ورجليه فهو فساد دينه، وكلما كان الكفن على الميت أقل، فهو أقرب إلى التوِبة، وما كان أكثر فهو أبعد من التوبة. ومن رأى كأن قوماً مجهولين زينوه وألبسوهِ ثياباَ فاخرة، من غير سبب موجب لذلك من عيد أو عرس وأنّهم تركوه في بيت وحيداً، فذلك دليل موته، والثياب الجدد البيض تجديد أمره.
وأما الحنوط: فدليل التوبة للمفسد، والفرج للمغموم، والثناء الحسن، ومن رأى كأنّه استعان برجل يشتري له الحنوط، فإنّه يستعين به في حسن محضر، وذلك أن الحنوط يذهب نتن الميت.
وأما النعش: فمن رأى كأنّه حمل على نعش ارتفع أمره، وكثر ماله، لأنّ أصله من الانتعاش.


ومن رأىِ كأنّه على الجنازة: فإنّه يواخي إخواناً في الله تعالى: لقوله عز وجلّ: " إخْوَانَاَ عَلَى سُرًرٍ مُتَقَابِليِنَ " . وقال بعضهم أنّ الجنازة رجل موافق يهلك على يديه قوم أردياء. فإن رأى كأنّه موضوع على جنازة وليس يحمله أحد فإنّه يسجن فإن رأى كأنّه حُمل على الجنازة فإنه يتبع ذا سلطان، وينتفع منه بمال فإن رأى كأنه رفع ووضع على جنازة، وحمله الرجال على أكتافهم، فإنّه ينال سلطاناً ورفعة، ويذل أعناق الرجال، ويتبعه في سلطانه بقدر من رأى من مشيعي جنازته. فإن رأى أنّهم بكوا خلف جنازته. حمدت عاقبة أمره، وكذلك إن أثنوا عليه الجميل أو دعوا له. فإن رأى كأنّهم ذموه ولم يبكوا عليه، لم تحمد عاقبته، فإن رأى كأنّه اتبع جنازة، فإنّه يتبع سلطاناً فاسد الدين. فإن رأى جنازة في سوق، فإنّ ذلك نفاق ذلك السوق فإن رأى كأنّ جنازه حملت إلى المقابر معروفة، فإنّه حق يصل إلى أربابه، فإن رأى كأنّ جنازة تسير في الهواء، فإنّه يموت رجل رفيع في غربة، أو رئيس أو عالم رفيع يعمى على الناس أمره. فإن رأى أنّه على جنازة يسير على الأرض، فإنّه يركب في سفينه.


فإن رأى جنائز كثيرة موضوعة في مكان، فإنّ أهل ذلك المكان يكثرون ارتكاب الفواحش. فإن رأت امرأة أنّها ماتت وحملت على جنازة، فإن لم تكن ذات زوجٍ تزوجت، وإن كانت ذات زوج فسد دينها. فإن رأى أنّه حمل ميتاً أصاب مالاً حراماً. فإن رأى أنّه جر الميت على الأرض، اكتسب مالاً حراماً فإن رأى أنّ ميتاً تعلق بفاسد، فإنهّ يصيد فأراً، فإن رأى أنه نقل ميتاً إلى المقابر فإنّه يعمل بالحق، فإن رأى أنّه نقل ميتاً إلى السوق، نال حاجة وربحت تجارته ونفقت.
فأما الصلاة على الميت، فكثرة الدعاء والاستغفار له، فإن رأى كأنّه الإمام عليه عند الصلاة عليه، ولي ولاية من قبل السلطان المنافق. ومن رأى كأنّه خلف إمام يصلي على ميت، فإنه يحضر مجلساً يدعون فيه للأموات.
وأما الدفن فمن رأى كأنّه مات ودفن، فإنّه يسافر سفراً بعيداً يصيب فيه مالاً،لقوله تعالى: " ثُم أمَاتَهُ فَأقْبَرَهُ ثُم إذَا شَاءَ أنْشَرَهُ " . ومن رأى كأنّه دفن في قبر من غير موت، دلت رؤياه على أن دافنه يقهره أو يحبسه. فإن رأى أنّه مات في القبر بعد ذلك، فإنّه يموت في الهم. فإن لم ير الموت في القبر نجا من ذلك الحبس والظلم. وقال بعضهم من دفن فإن دينه يفسد، وإن رأى أنّه خرج من القبر بعدما دفن، فإنه يرجى له التوبة. فإن رأى أنّه حثي على رجل التراب أو سلمه إلىِ حفيرة القبر، فإنّه يلقيه في هلكة. فإن رأى كأنّه وضع في اللحد، فإنّه يناله داراً. فإن سوى عليه التراب، نال بقدر ذلك التراب مالاً.

وأما القبر المحفور في الأصل، فقيل هو السجن في التأويل، كما أنّ السجن القبر. فمن رأى أنّه يريد أن يزور المقابر، فإنّه يزور أهل السجن، فإن رأى أنّه حفر قبراً على سطح، فإنّه يعيش عيشاً طويلاً. والقبور الكثيرة في موضع مجهول، تدل على رجاله منافقين، ومن رأى كأنّ القبور مطرت، نال أهلها الرحمة. فإن رأى قبراً في موضع مجهول، فإنّه يخالط رجلاً منافقاً. وأما المقابر المعروفة فإنّها تدل على أمر حق وهو غافل عنه. فإن رأى كأنّه يحفر لنفسه قبراً، فإنّه يبني لنفسه داراً. وإن رأى كأنّ قبر ميت حول إلى داره أو محله أو بلده، فإنّ عقبه يبنون هناك داراً. فإن رأى كأنّه دخل قبراً من غير أن كان على جنازة اشترى داراً مفروغاً منها. ومن رأى كأنّه قائم على قبر، فإنّه يتعاطى ذنباً، لقوله تعالى: " ولا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ " . فإن رأى رجلاً موسراً في مقبرة يطوف حول القبور فيسلمٍ عليها، فقيل إنّه يصير مفلساً يسأل الناس، لأنّ المقبرة موضع المفاليس، فإن رأى ميتاً كأنه حي، فإنّه يصلح أمره بعد الفساد، ويتعقب عسره يسر من حيث لا يحتسب، فإن رأى حياً كأنّه ميت، فإنّه يعسر عليه أمره، ذلك لأن الحياة يسر والموت عسر. فإن رأى الأموات مستبشرين، دل على حسن حاله عند الله تعالى، لأنّهم في دار الحق. ومن رآهم غير مستبشرين، أو رآهم معرضين عنه، دل على سوءِ حاله عند الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يكفي أحدكم أن يوعظ في منامه " . فإن رأى ميتاً عرفه فأخبره أنّه لم يمت، دل على صلاح حال الميت في الآخرة، لقوله تعالى: " بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون " . وكذلك لورأى على الميت تاجاً أوخواتيم، أورآه قاعداً على سرير، ولورأى على الميت ثياباً خضراً، دل على أنّ موته كان على نوع من أنواع الشهادة، كما تدل مثل هذه الرِؤيا علىِ حسن حال الميت في الآخرة، فكذلك تدل على عقبه في الدنيا. فإن رأى ميتاً ضاحكاً، فإنّه مغفور له، لقوله تعالى: " وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِم ضَاحِكَة مُسْتَبْشِرة " . فإن رأى ميتاً طلق الوِجه لم يكلمه ولم يمسه، فإنّه راضٍ عنه لوصول بره إليه بعد موته، فإن رآه معرضاً عنه أومنازعاً له، وكأنّه يضربه، دل على أنّه ارتكب معصية وقيل إن رأى ميتاً ضربه فإنّه يقتضيه ديناً.


فإن رأى الميت غنياً فوق غناه في حياته، فهو صلاحٍ حاله في الآخرة. وإن فقيراً فهو فقره إلى الحسنات. وإن رأى كأنّ الميت عرياناً فهو خروجه من الدنيا عارياً من الخيرات، وقيل إن عري الميت راحته. فإن رأى كأنّ أقواماً معروفين قاموا من موضع لابسين ثياباً جدداً مسرورين، فإنّه يحيا لهم وتعقبهم أمور ويتجدد لهم إقبال ودولة. فإن كانوا محزونين أو ثيابهم دنسة، فإنّهم يفتقرون ويرتكبون الفواحش. فإن رأى في مقبرة معروفة قيام الأموات منها، فإنّ أهل ذلك الموضع تنالهم شدة ويظهر فيها منافقون، وأمّا الكافر الميت إذا رؤي في أحسن حالة وهيئة، دل ذلك على ارتفاع أمر عقبه، ولم يدل علىِ حسن حاله عند اللهّ: فإن رأى كأنّ الميت ضحك ثم بكى دل على أنّه لم يمت مسلماً. وكذلك لو رأى أنّ وجه الميت مسود لقوله تعالى: " فأما الّذِيَن اسْوَدَّتْ وَجُوهُهمْ أكَفَرَتْمُ بَعْدَ إيْمَانِكُم " .
فإن رأى كأنّ على الميت ثياباً وسخة، أو كأنّه مريض، فإنّه مسؤول عنِ دينه فيما بينه وبين الله تعالى، خاصة دون الناس. وإن رأى الميت مشغولاً أو متعباً، فذلك شغله بما هو فيه، فإن رأى كأنّ جده وجدته قد حييا، فإنّ ذلك حياة الجد والبخت. فإن رأى كأنّ أمه قدحييت، أتاه الفرج من هم هو فيه. وكذلك إن رأى أباه قد حيي إلا أن رؤية الأب أقوى.
فإن رأى أن ابناً له قد حيي، ظهر له عدو من حيث لا يحتسب، فإن رأى أنّ ابنة له ميتة قد عاشت، أتاه الفرج. ومن رأى كأنّ أخاً له ميتاً قد عاش، فإنّه يقوى من بعد ضعف، لقوله تعالى: " أشددْ بهِ أزْرِي " . ومن رأى أختاً له ميتة قد عاشت، فإنّه قدوم غائب له من سفر وسرور يأتيه، لقوله تعالى: " وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيه فَبَصُرَتْ بهِ عَنْ جُنُبٍ " . فإن رأى خاله أو خالته قد عاشا، فإنه يعود إليه شيء قد خرج من يده.

ومن رأى كأنّه أحيا ميتاً، فإنّه يسلم على يديه كافراً أو يتوب فاسق. فإن رأى في محلته نسوة ميتات معروفات قد قمن من موضعه مزينات، فإنه يحيا لأصحاب الرؤيا والأعقاب أولئك النسوة أمور على قدر جمالهن وثيابهن، فإن كانت ثيابهن بيضاً فإنه أمور في الدين، وإن كانت حمراً فأمور في اللهو، وإن كانت سوداء ففي الغنى والسؤدد، وإن كانت خلقاناً فإنّها أمور في فقر وهم، وإن كانت وسخة فإنّها تدل على كسب الذنوب فإن رأى ميتاً كأنّه نائم، فإنّ نومه راحته في الاخرة. فمن رأى كأنّه نام في فراش مع الميت، فإنّه يطول عمره.


فإن رأى ميتاً كأنّه يصلي في غير موضع صلاته الذي كان يصلي فيه أيام حياته فتأويلها أنه وصل إليه ثواب عمل كان يعمله في حياته، أو ثواب وقف قد وقفه وتصدق به، فإن كان الميت والياً فإنّ عقبه ينالون مثل ولايته، فإن رأى كأنّه يصلّي في موضع كان يصلي فيه أيام حياته، دل ذلك على صلاح دين عقب الميت من بعده، لأنّ الميت قد انقطع عن العمل لنفسه، فإن رأى كأنّ ميتاً يصلي بالأحياء فإنّه تقصر أعصار أولئك بالأحياء، لأنّهم اتبعوا الموتى. فإن رأى كأنّه يتبع الميت ويقفو أثره في دخوله وخروجه، فإنّه يقتدي بأفعاله من الصلاح والفساد، فإن رأى ميتاً في مسجد، دل على أمنه من العذاب، لأنّ المسجد أمن.
فإن رأى ميتاً يشتكي رأسه، فهو مسؤول عن تقصيره في أمر والديه أو رئيسه فإن كان يشتكي عنقه، فهو مسؤول عن تضييع ماله أو منعه صداق امرأته. فإن كان يشتكي يده فهو مسؤول عن أخيه وأخته أو شريكه أو يمين حلف بها كاذباً. وإن كان يشتكي جنبه، فهو مسؤول عن حق المرأة. فإن كان يشتكي بطنه فهو مسؤول عن حق الوالد والأقرباء وعن ماله. فإن رأى أنّه يشتكي رجله، فهو مسمؤول عن إنفاقه ماله في غير رضا اللهّ. فإن رآه يشتكي فخذه، فهو مسؤول عن عشيرته وقطع رحمه، فإن رآه يشتكي ساقيه، فهو مسؤول عن إفنائه حياته في الباطل.
ومن رأى كأنّ ميتاً ناداه من حيث لا يراه، فأجابه وخرج معه بحيث لا يقدر أن يمتنع منه، فإنّه يموت في مثل مرض ذلك الميت الذي ناداه، أو في مثل سبب موته من هدم أو غرق أو فجأة. وكذلك لو رأى أنّه تابع ميتاً، فدخل معه داراً مجهولة ثم لا يخرج منها، فإنّه يموت. فإن رأى كأنّ الميت يقول له أنت تموت وقت كذا، فقوله حق. فإن رأى كأنّه اتبع ميتاً ولم يدخل معه داراً، أو دخل ثم انصرف، فإنّه يشرف على الموت ثم ينجو. فإن رأى كأنّه يسافر مع ميت، فإنّه يلتبس عليه أمره. فإن رأي كأنّ الميت أعطاه شيئاً من محبوب الدنيا، فهو خير يناله من حيث لا يرجو، فإن كان الميت أعطاه قميصاً جديداً أو نظيفاً، فإنّه ينال معيشة مثل معيشته أيام حياته. فإن رأى كأنّه أعطاه طيلساناً، فإنّه يصيب جاهاً مثل جاهه، فإن أعطاه ثوباً خلقاً، فإنّه يفتقر. فإن أعطاه ثوباً وسخاً، فإنّه يركب الفواحش. فإن أعطاه طعاماً، فإنّه يصيب رزقاً شريفاً من حيث لا يحتسب. ومن رأى كأنّ الميت أعطاه عسلاً، نال غنيمة من حيث لا يرجو. ومن رأى كأنّه أعطاه بطيخاً، أصابه هم، لم يتوقعه.
فإن رأى كأن الميت يعظه أو يعلمه علماً، فإنّه يصيب صلاحاً في دينه بقدر ذلك.فإن رأى كأنّه أعطى الميت كسوة لم ينشرها ولم يلبسها، فإنّه ضرر في ماله أو مرض، ولكنه يشفى. فإن رأى كأنّه نزع كسوة حتى يلبسها الميت، فخرجت الكسوة من ملك الحي، فإنّه يموت، وإن لم تخرج الكسوة من ملكه وناولها ليخيطها أو ليعملها لم يضره ذلك. وكل شيء يراه الحي أنّه أعطاه للميت فإنّه غير محبوب، إلا في مسألتين: إحداهما أنّه إذا رأى كأنّه أعطى الميت بطيخاً فإنّه يذهب همه من حيث لا يحتسب. والثانية أنّه إذا رأى أنِّه أعطى عمه أو عمته بعد موتهما في منامه، فإنه يلزمه غرم ونفقة.

فإن رأى كأنّ ميتاً سلم عليه، دل على حسن حاله عند الله عزّ وجلّ. فإن رأى كأنّه أخذ بيده، فإنّه يقع في يده مال من وجه ميئوس منه. فإن رأى الميت كأنّه عانقه معانقة مودّة، طال عمره. فإن رأى كأنه عانقه معانقة ملازمة أو منازعة، فلا تحمد رؤياه، فإن رأى كأنّه يكلم الميت، عاش طويلاً، وتدل هذه الرؤيا علىِ أنّ صاحبها يصالح قوماً بعد المنازعة، فإن رأى كأنّه يقبل ميتاً مجهولاً، نالت مالاً من حيث لا يحتسب. فإن قبل ميتاً معروفاً، فإنّه ينتفع من الميت بعلمه أو ماله. فإن رأى كأنّ ميتاً معروفاً قبله، نال من عقبه خيراً. فإن رأى ميتاً مجهولاً قبله، فهو قبوله الخير من موضع لا يرجوه. فإن رأى كأنّ ميتاً اشترى طعاماً، فإن يغلو أو يعز ذلك الطعام. فإن رأى كأن الأموات يبيعوِن طعاماً أو متاعاً، كسد ذلك الطعام والمتاع. فإن وجد الحي بين الطعام والمتاع إنساناَ ميتاً، أو فأرة ميتة، أو دابة ميتة، فإنّه ينفسد ذلك الطعام والمتاع.
وإن رأى كأنّه ينكح ميتاً مجهولاً في قبر، فإنّه يزني. فإن رأى كأنّه نكحه فأمنى، فإنّه يخالط رجلاً شريراً منافقاً ويغرم عليه مالاً. فإن رأى أنّه ينكح ميتاً معروفاً، رجلا كان أو امرأة، فإنّه يظفر بحاجة قد أيس منها، فإن رأى أنّه نكح رجلاً صديقاً، أصاب عقبه من الفاعل خيراً. فإن كان المنكوح عدواً، فإنّ الفاعل يظفر بعقب ذلك الميت. فإن رأى أنّه ينكح ذا حرمة من الموتى، فإنّ الناكح يصل المنكوح بصدقة أو دعاء، أو يصل إلى عقبه منه خير، وقيل إنّه يقدم على حرام. فإن رأى كأنّ ميتاً معروفاً نكحه، أصابه نفع من عمله أو ماله. فإن رأى كأنّ امرأة ميتة حييت، فنكحها وأصابه من مائها، فإنّه يظفر بحاجته، وينفق فيها مالاً بطيبة نفس منه، وينال ولاية مستأنفة، وتجارة رابحة. فإن تزوج بامرأة ميتة، ورأى أنّها حية، وحولها إلى منزله، فإنّه يعمل عملاً يندم عليه، فإن وطئها وتلطخ من مائها. فإنّه نادم من عمل في خسران وهم، وتحمد عاقبته، وينال خيراً بقدر ما أصابه من مائها آخر الأمر. فإن رأى كأنّه تزوج بامرأة ميتة، ورأى أنّها حية، ودخل بها ولم يمسها، لكنه تحول إلى دارها واستوطنها، دلت رؤياه على موته وكذلك رؤيا المرأة، جارية مجرى رؤية الرجل في كل ذلك.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله: الأصل في رؤيا الميت و الله أعلم، أنك إذا رأيت ميتاً في منامك يعمل شيئاً حسناً، فإنّه يحثك على فعل ذلك، وإذا رأيته يعمل عملاً سيئاً، فإنّه ينهاك عن فعله ويدلّك على تركه. ومن رأى كأنّه نبش عن قبر ميت، فإنّه يبحث عن سيرة ذلك الميت في حال حياته ديناً ودنيا، ليسير بمثل سيرته. فإن رأى الميت حياً في قبره، نال براً وحكمة ومالاً حلالاً. وإن وجد ميتاً في قبره فلا يصفو ذلك المال. قال بعضهم: من رأى كأنّه أتى المقابر، فنبش عنها، فوجدهم أحياء أو أمواتاً، فإنّه يدل على وقوع موت ذريع في تلك الناحية أو البلدة، و الله أعلم.
ومن هذا الباب مسائل كثيرة، تجيء في الباب التاسع والثلاثين، والثامن والثلاثين، فمن أحبها فليطلبها هنالك.
الباب السابع عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين

في رؤيا القيامة والحساب والميزان والصحائف والصراط وما يتصل بذلك

أخبرنا الحسن بن بكير بعكا قال: حدثنا أبو يعقوب إسحق بن إبراهيم الأذرعي عن عبد الرحمن بن واصل، عن أبي عبيد التستري، قال: رأيت كأنّ القيامة قد قامت، وقد اجتمع الناس، فإذا المنادي ينادي: أيها الناس، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا، فليقم إلى الغداء. فقام الناس واحداً بعد واحد، ثم نوديت يا أبا عبيد قم، فقمت وقد وضعت الموائد، فقلت لنفسي: ما يسرني أتى. ثم أخبرنا أبوالحسن الهمذاني بمكة حرسها الله، قال حدثنا محمد بن جعفر، عن أحمد بن مسروق، محال: رأيت في المنام كأنّ القيامة قد قامت، والخلق مجتمعون، إذ نادى مناد الصلاة جامعة، فاصطف الناس صفوفاً، فأتاني ملك عرض وجهه قدر ميل، في طول مثل ذلك، قال تقدم فصل بالناس، فتأملت وجهه، فإذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله، فقلت فأين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هو مشغول بنصب الموائد لإخوانه من الصوفية، وذكر الحكاية.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: قال الله تبارك وتعالى: " و نَضَعُ الموَازِين القِسْطَ لِيَوْم القِيَامَةِ فلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيْئاً " . فمن رأى كأنّ القيامة قد قامت في مكان، فإنّه يبسط العدل في ذلك المكان لأهله فينتقم من الظالمين هناك وينصر المظلومين، لأنّ ذلك يوم الفصل والعدل، ومن رأى كأنّه ظهر شرط من أشراط الساعة بمكان، مثل الطلوع بمكان الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض أو الدجال، يأجوِج ومأجوج، فإن كان عاملاً بطاعة الله عزّ وجلِّ، كانت رؤياه بشارة له. وإن كا عاملاَ بمعصية الله أو هاماً بها، كانت رؤياه له نذيراً. فإن رأى كأنّ القيامة قد قامت وهو واقف بين يدي الله عزّ وجلّ، كانت الرؤيا أثبت وأقوى، وظهور العدل أسرع وأوحى .
وكذلك إن رأى في منامه كأنّ القبور قد انشقت، والأموات يخرجون منها، دلت رؤياه على بسط العدل، فإن رأى قيام القيامة، وهو في حرب. نصر. فإن رأى أنه في القيامة، أوجيت رؤياه سفراً، فإن رأى كأنه حشر وحده، أو مع واحداً آخر دلت رؤياه على أنّه ظالم، لقوله تعالى: " احشُرُوا الذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ " .
فإن رأى كأنّ القيامة قد قامت عليه وحده، دلّت رؤياه على موته، لما روي في الخبر أنّه من مات قامت قيامته، فإن رأى القيامة قد قامت، وعاين أهوالها، ثم رأى كأنها سكنت، وعادت إلى حالها، فإنّها تدل على تعقب العدل والظلم من قوم لا يتوقع منهم الظلم. وقيل إنّ هذه الرؤيا يكون صاحبها مشغولاً بارتكاب المعاصي وطلب المحال، مسوقاً بالتوبة أو مصراً على الكَذب، لقوله تعالى: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " .
ومن رأى كأنّه قرب من الحساب فإن رؤياه تدل على غفلته عن الخير، وإعراضه عن الحق، لقوله تعالى: " اقتَرَبَ للنّاس حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلةٍ معْرِضُون " . فإن رأى كأنّه حوسب حساباً يسيراً، دلت رؤياه على شفقة زوجته عليه، وصلاحها وحسن دينها. فإن رأى كأنّه حوسب حساباً شديداً، دلت رؤياه على خسران يقع له، لقوله تعالى: " فَحَاسَبْنَاها حِسَاباً شَدِيداً " .
فإن رأى كأنّ الله سبحانه وتعالى يحاسبه، وقد وضعت أعماله في الميزان فرجحت حسناته على سيئاته، فإنّه في طاعة عظيمة، ووجب له عند الله مثوبة عظيمة، وإن رجحت سيئاته على حسناته، فإن أمر دينه مخوف. وإن رأى كأن الميزان بيده، فإنّه على الطريقة المستقيمة، لقوله تعالى: " وأنْزَلنَا معَهُم الكِتابَ والميزَانَ " . فإن رأى كأنّ ملكاً ناوله كتاباً. وقال له اقرأ، فإن كان من أهل الصلاح نال سروراً، وإن لم يكن كان أمره مخوفاً، لقوله تعالى: " اقرأ كتابك " .
فإن رأى أنّه على الصراط فإنّه مستقيم على الدين. فإن رأى أنّه زال عن الصراط والميزان والكتاب، وهو يبكي، فإنه يرجى له إن شاء الله تسهيل أمور الآخرة عليه.
الباب الثامن عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا جهنم نعوذ ب الله منها

أخبرنا أبوعمرو محمد بن جعفر بن مطر، قال: حدثنا حمد بن سعيد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكرابسي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا الحكم بن ظهير، حدثنا ثابت بن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه عن جده، قال: من رأى أنّه يحرق، فهو في النار. فإن رأى كأنّ ملكاً أخذ بناصيته فألقاه في النار، فإنّ رؤياه توجب له ذلاً. فإن رأى مالكاً خازن النار طلقاً بساماً، سر من شُرطي أو جلاد أو صاحب عذاب السلطان. فإن رأى النار من قريب، فإنّه يقع في شدة ومحنة لا ينجو منها، لقول الله تعالى: " وَرَأى المجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ولمِ يَجدوا عَنْها مَصْرِفا " . وأصابه خسران فاحش، لقوله عزّ وجلّ: " إنّ عَذَابَها كَان غَرَامَا " . وكانت رؤياه نذيراً له ليتوب من ذنب هو فيه.
فإن رأى كأنّه دخل جهنم، فإنّه يرتكب الفواحش والكبائر الموجبة للحد، وقيل أنه يقبض بين الناس. فإن رأى كأنّه أدخل النار، فإنّ الذي أدخله النار يضلّه ويحمله على ارتكاب فاحشة. فإن رأى كأنّه خرج منها من غير إصابة مكروه، وقع في غموم الدنيا. فإن رأى كأنه يشرب من حميمها أو طعم من زقومها، فإنّه يشتغل بطلب علم، ويصير ذلك العلم وبالاً عليه، وقيل إنّ أموره تعسر عليه، وتدل رؤياه على أن يسفك الدم. ومن رأى كأنه اسود وجهه فيها، يدل على أنّه يصاحب من هو عدو اللهّ، ويرضى بسوء فعله، فيذل ويسود وجهه عند الناس، ولا تحمد عاقبته. فإن رأى كأنّه لم يزِل محبوِساً فيها، لا يدري متى دخل فيها، فإنّه لا يزال في الدنيا فقيراً محزوناً محروماَ، تاركاَ للصلاة والصوم وجميع الطاعات. فإن رأى كأنّه يجوز على الجمر، فإنّه يتخطى رقاب الناس في المحامل والمجالس متعمداً.
وكل رؤيا فيها نار فإنّها دالة على وقوع فتنة سريعة، لقوله تعالى: " ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الذِي كُنْتُمْ بهِ تَسْتَعْجِلون " . فإن رأى كأنّه سل سيفه ودخل النار، فإنه يتكلم بالفحشاء والمنكر. فإن رأى كأنّه دخلها متبسماً، فإنّه يفسق ويفرح بنعيم الدنيا.
الباب التاسع عشر
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في الجنة وخزنتها وحورها وقصورها وأنهارها وثمارها
أخبرنا الوليد بن أحمد الواعظ، قال أخبرنا ابن أبي حاتم، قال حدثنا محمد بن يحيى الواسطي، قال حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني، قال حدثنا بشر بن عمر الزهراني أبو محمد، قال حدثنا حماد بنِ زيد، عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت راشد، قالت: كان مروان المحلمي جاراً لنا، وكان ناصباً مجتهداً فمات فوجدت عليه وجداً شديداً، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت يا أبا عبد الله ما فعل بك ربك؟ قا أدخلني الجنة، قالت: قلت ثم ماذا؟ قال ثم رفعت إلى أصحاب اليمين، قالت: قلت ثم ماذا؟ قال ثم رفعت إلى المقربين، قلت فمن رأيت من إخوانك؟ قال رأيت الحسن وابن سيرين وميموناً. قال حماد، قال هشام بن حسان حدثتني أم عبد الله وكانت من خيار نساء أهل البصرة، قالت رأيت في منامي، كأني دخلت داراً حسنة، ثم دخلت بستاناً، فرأيت من حسنه ما شاء اللهّ، فإذا أنا برجل متكىء على سرير من ذهب وحوله وصائف بأيديهم الأكاريب، قالت فإنني متعجبة من حسن ما أرى، إذ أتي برجل، فقيل من هذا؟ قال هذا مروان المحلمي أقبل فاستوى على سريره جالساً، قالت فاستيقظت من منامي، فإذا جنازة مروان قد مرت عليّ تلك الساعة.
أخبرنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني بدمشق، قال أخبرنا علي بن أحمد البزار، قال سمعت إبراهيم بن السري المغلس يقول: سمعت أبي يقول: كنت في مسجدي ذات يوم وحدي بعدما صلّينا العصر، وكنت قد وضعت كوز ماء لأبرده لإفطاري في كوة المسجد، فغلب عيني النوم، فرأيت كأن جماعة من الحور العين قد دخلن المسجد وهن يصفقن بأيديهن، فقلت لواحدة منهن: لمن أنت؟ قالت لثابت البناني، فقلت للأخرى: وأنت؟ فقالت لعبد الرحمن بن زيد، وقلت للأخرى: وأنت فقالت لعتبة، وقلت للأخرى: وأنت؟ فقالت لفرقد، حتى بقيتَ واحدة، فقلت: لمن أنت؟ فقالت لمن لا يبرد الماء لإفطاره. فقلت لها فإن كنت صادقة فاكسري الكوز، فانقلب الكوز ووقع من الكوة، فانتبهت من منامي بكسر الكوز.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: من رأى الجنة ولم ير دخولها، فإن رؤياه بشارة بخير عمل عمله أو يهم بعمله، وهذه رؤيا متصف ظالم. وقيل من رأى الجنة عياناً، نال ما اشتهى وكشف عنه همه. فإن رأى كأنّه يريد أن يدخلها فمنع فإنه يصير محصراً عن العج والجهاد، بعد أن يهم بهما، أو يمنع من التوبة من ذنب هوعليه مصر، يريد، يتوب منه، فإن رأى أن بابآً من أبواب الجنة أغلق عنه، مات أحد أبويه فإن رأى أن بابين أغلقا عنه، مات أبواه. فإن رأى كأنّ جميع أبوابها تغلق عنه ولا تفتح له، فإن أبويه ساخطان عليه. فإن رأى كأنّه دخلها من أيّ باب شاء، فإنّهما عنه راضيان، فإن أى كأنّه دخلها، نالت سروراً وأمناً في الدراين، لقوله تعالْى: " ادخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنين " . فإن رأى كأنّه أدخل الجنة، فقد قرب أجله وموته، وقيل إنّ صاحب الرؤيا يتعظ ويتوب من الذنوب على يد من أدخله الجنة، إن كان يعرفه. وقيل من رأى دخول الجنة، نال مراده بعد احتمال المشقة، لأنّ الجنة محفة بالمكاره، وقيل إنّ صاحب مذه الرؤيا يصاحب أقواماً كباراً كراماً، ويحسن معاشرة الناس، ويقيم فرائض الله تعالى فإن رأى كأنّه يقال له ادخل الجنة، فلا يدخلها، دلت رؤياه على ترك الدين، لقوله تعالى: " وَلا يَدْخلُون الجَئّةَ حتّى يلجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخيّاطِ " . فإن رأى أنّه قيل له إنك تدخل الجنة، فإنه ينال ميراثاً، لقوله تعالى: " وتلك الجَنّة التي اوُرِثْتُموها " . فإن رأى أنّه في الفردوس نال هداية وعلماً. فإن رأى كأنّه دخل الجنة متبسماً، فإنّه يذكر الله كثيرآً.
فإن رأى كأنّه سل سيفاً ودخلها، فإنّه يأمر بالصعروف وينهى عن المنكر وينال نعمة وثناء وثواباً. فإن رأى كأنّه جالس تحمت شجرة طوبى، فإنّه ينال خير الدارين لقوله تعالى: " طُوبَى لَهُمْ وحًسْنَ مَآب " . فإن رأى كأنّه في رياضها رزق الإخلاص وكمال الدين. فإن رأى كأنّه أكلً من ثمارها، رزق علماً بقدر ما أكل. وكذلك إن رأى أنّه شرب من مائها وخمرها ولبنها، نال حكمة وعلماً وغنى، فإن رأى كأنه متكىء على فراشها، دل على عفة لامرأته وصلاحها، فإن كان لا يدري متى دخلها، دام عزه ونعمه في الدنيا ما عاشِ. فإن رأى كأنِّه منع ثمار الجنة، دل على فساد دينه، لقوله تعالى: " مَنْ يُشْرك بالله فقَدْ حًزمَ الله عَلَيْهِ الجَنّةَ " . فإن رأى كأنّه التقط ثمار الجنة وأطعمها غيره، فإنّهَ يفيد غيره علماً يعمل به وٍ ينتفع، ولا يستعمله هو ولا ينتفع به. فإن رأى كأنّه طرح الجنة في النار، فإنّه يبيع بستاناً ويأكل ثمنه. فإن رأى كأنّه يشرب من ماء الكوثر، نال رياسة وظفراً على العدو، لقوله تعالى: " إنّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ فَصَلِّ لرَبِّكَ وانْحَرْ " . ومن رأى كأنّه في قصر من قصورها، نال رياسة أو تزوج بجارية جميلة، لقوله تعالى: " حُورٌ مقْصورَاتٌ في الخِيَام " . فإن رأى كأنّه ينكح من نساء الجنة، وغلمانها يطوفون حوله، نال مملكة ونعماً لقوله تعالى: " وَيَطوفُ عَلَيْهمْ وِلدَان مُخَلّدُون " .
وحكي أنّ الحجاج بن يوسف، رأى في منامه كأنّ جاريتين من الحور العين نزلتا من المساء، فأخذ الحجاج إحداهما ورجعت الأخرى إلى السماء، قال فبلغت رؤياه إلى ابن سيرين، فقال: هما فتنتان يدرك إحداهما ولا يدرك الأخرى، فأدرك الحجاج فتنة ابنِ الأشعث ولم يدرك فتنة ابن المهلب. وإن رأى رضوان خازن الجنة، نال سروراً ونعمة وطيب عيش ما دام حياً، وسلم من البلايا، لقوله تعالى: " وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها لسَلامٌ عَلَيْكًمْ " . فإن رأى الملائكة يدخلون عليه ويسلمون عليه في الجنة، فإنّه يصير على أمر يصل به إلى الجنة، لقوله تعالى: " والملائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَليهِم منْ كُلِّ بَابٍ " . ويختم له بخير.
الباب العشرون
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل رؤيا الجن والشياطين
قال الأستاذ أبو سعد: من رأى أنّه تحول جنياً، قوي كيده. ورؤيا سحرة الجن في المنام، تدل على الغيلان. فإذا رأى الإنسان في منامه الجن واقفة قرب بيته، فإن رؤياه تدل على إحدى ثلاث خصال: إما على خسران، أو على هوان، أو على أنّ عليه نذراً لم يف به. فإن رأى كأنّه يعلم الجن القرآن، أو يستمعونه منه، رزق الرياسة والولاية، لقوله تعالى: " قُلْ أوًحِيَ إليَّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ " . فإن رأى أنّ الجن دخلوا داره، وعملوا في داره عملاً، فإن اللصوص يدخلون داره ويضرون به، أو يهجم عليه أعداؤه في بيته. والأصل في رؤيا الجن أنّهم أصحاب الاحتيال لأمور الدنيا وغرورها.
وأما الشيطان فهو عدو في الدين والدنيا، مكّار خدّاع، غير مكترث بشيء، وإنّما يكون تأويله السلطان، وربما كان الأهل.
ومن رأى كأنّ طائفاً من الشيطان مسه وهو مشتغل بذكر الله تعالى، دلت رؤياه على أنّ له أعداء كثيرة يريدون إهلاكه، فلا ينالون منه مرادهم، لقوله تعالى: " إنَّ الذِينَ اتّقُوا إذا مَسّهُم طائِفٌ مِنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُوا " . فإن رأى كأن شهاباً ثاقباً يتبع شيطاناً، دلّت رؤياه على صحة دينه، ومن رأى كأنّ الشيطان خوفه، فى دلت رؤياه على إخلاصه في دينه، وعلى أمن من خوف هو فيه، بدليل قوله تعالى: " فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُون إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين " . ومن رأى الشيطان فرحاً مسروراً، اشتغل بالشهوات. ومن رأى كأنّ الشيطان نزع لباسه، عزل عن ولاية إن كان والياً، أو أُصيب بضيعة إن كان صاحب ضيعة، لقوله تعالى: " يا بني ادمَ لَا يَفْتِنَنّكُمْ الشّيْطَانُ " . فإن رأى كأن الشيطان قد مسه، فإنّ له عدواً يقذف امرأته ويغويها، وقيل إنّ هذه الرؤيا تدل على فرجِ صاحبها منِ غم، أو شفاء من مرض، لقوله تعالى: " واذْكُرْعبدنا أيُوبَ إذْ نَادَى ربّهُ أني مًسّنِي الشّيْطَان " . ومن رأى كأنّ الشيطان يتبعه، فإنّ عدواً يخدعه ويغريه، وينقص من عمله وجاهه، لقوله تعالى: " فأتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكان مِنَ الغَاوِين " .
ومن رأى كأنّه ملك الشياطين فاتبعوه وانقادوا له، نالت رياسة وهيبة وقهر أعداء لقوله تعالى: " ومِنَ الشَّياطِين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ " . فإن رأى كأنّه قيد الشيطان نال نصرة، لقوله " مُقْرَّنينَ في الأصْفَادٍ " . فإن رأى كأنّ شيطاناً نزل عليه، ارتكب إثماً وافترى كذباً، لقول الله تعالى: " تَنزّلُ عَلَى كلِّ أَفّاكٍ أثِيم " . فإن رأى كأن يناجي الشيطان، فإنّه يشاور أعداءه ويظاهرهم في أهلٍ الصلاح، فلا يستطيعون، لقوله تعالى " إنّما النَّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ ليَحْزُنَ الذِين آمنوا " . فإن رأى أنّ الشيطان يعلمه كلاماً، فإنّه يتكلم بكلام مفتعل، أو يكيد الناس، أو ينشد كذب الأشعار. فإن رأى كأنّه قتل إبليس، فإنّه يمكر بمكر وخداع. والدجال إنسان مخادع، يفتتن الناس به.

الباب الحادي والعشرون
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في رؤيا الناس الشيخ منهم والشاب والفتاة والعجوز والأطفال والمعروف والمجهول
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله: من رأى رجلاً يعرفه دلت رؤياه على أنه يأخذ منه أو من شبيهه أو من سميه شيئاً، فإن رأى كأنّه أخذ منه ما يستحب جوهره نال منه يؤمله، فإن كان من أهل الولاية، ورأى كأنّه أخذ منه قميصاً جديداً فإنّه يوليه. فإن أخذ منه حبلاً، فإنّه عهد. فإن رأى كأنّه أخذ منه مالاً يستحب جوهره أو نوعه، فإنّه س منه، ويقع بينهما عداوة وبغضاء.
ورؤيا الشيخ والكهل المجهولين: تدل على جد صاحبها. فإذا رآهما أو أحدهما ضعيفاً، فهو ضعف جده. وإذا رآهما أو أحدهما قوياً، فهو قوة جده. فإن رأى شاباً كأنّه تحول شيخاً، فإنّه يصيب علماً وأدباً، فإن رأى كأنّه اتبع شيخاً، اتِبع خيراً خصباً. فإن رأى شيخاً رستاقياً، اتخذ صديقاً غليظاً. ومن رأى شيخاً تركياً، اتخذ صديقاً فإن كان مسلماً، سلم من شره.
والشاب: في التأويل عدو الرجل، فإن كان أبيض، فهو عدو مستور. وإن كان أسود فهو عدو غني، وإن كان أشقر، فهو عدو شيخ. وإن كان ديلمياً فهو عدو أمين. وإن كان رستاقياً فهو عدو فظ. فإن كان قوياً فهو شدة عداوته وإن كان مجهولاً وإن كان معروفاً فهو بعينه. فمن رأى أنّه تبعه شاب، فإنه عدو يظفر به. فإن رأى شيخاً أشرف عليه، فإنّه يمكنه من الخير. وإن كان شاباً أشرف عليه، فإنّه عدو يتمكن منه، لأنه علاه. وإن رأى شيخاً كأنّه صار شاباً فقد اختلف في تأويل رؤياه، فقال بعضهم انّه يتجدد له سرور، وقال بعضهم انّه يظهر في دينه أو دنياه نقص عظيم، وقال بعضهم انّه يموت، وقال بعضهم انّ رؤياه تدل على حرصه، لأنّ قلب الشيخ شاب على الحرص والأمل. فإن رأى شاباً مجهولاً فأبغضه، فإنه يظهر له عدو بغيض إلى الناس. فإن أحبه فإنّه يظهر له عدو محبوب.
فإن رأى جارية: متزينة مسلمة، مممع خبراً ساراً من حيث لا يحتسب. كانت كافرة، سمع خبراً ساراً مع خناً. فإن رأى جارية عابسة الوجه، سمع خبراً وحشاً. فإن رأى جارية مهزرلة، أصابه هم وفقر. فإن رأى جارية عريانة خسر تجارته وافتضح فيها، فإن رأى أنّه أصاب بكراً، ملك ضيعة مغلة، وأتجر تجارة رابحة، والجارية خير على قدر جمالها ولبسها وطيبها. فإن كانت مستورة فإنّه خير مستور مع دين. فإن كانت متبرجة، فإن الخير مشمهور. وإن كانت متنقبة، فإنّ الخير ملتبس. وإن كانت مكشوفة، فإنّه خير يشيع. والناهد خير مرجو. ومن رأى امرأة حسناء دخلت داره، نال سروراً وفرحاً. والمرأة الجميلة مال لا بقاء له، لأنّ الجمال يتغيّر. فإن رأى كأدن امرأة شابة أقبلت عليه بوجهها، أقبل أمره بعد الإدبار. والمرأة العربية الادماء المجهولة الشابة المتزينة، يطول وصف خيرها ونفعها في التأويل والسمينة من النساء في التأويل، خصب السنة. والمهزولة جدبها، وأفضل النساء التأويل العربيات الأدم، والمجهولة منهن خير من المعروفة، وأقوى والمتصنعات منهن في الزينة والهيئة، أفضل من غيرهن.
وكل مواتاة العربيات والأدم ومعاملتهن في التأويل خير بقدر مواتاتهن، ولهن فضل على من سواهن من النساء. وإٍذا رأت امرأة في منامها امرأة شابة، فهي عدوة لها على أية حالة رأتها. وإذا رأت عجوزا فهي جدها.
وأما العجوز: فهي دنياه. فإن رآها متزينه مكشوفة نال دنياه مع بشارة عاجلة وإن رآها عابسة دلّت على ذهاب الجاه لأجل الدنيا. وإن رآها قبيحة انقلبت عليه الأمور، وإن رآها عريانة فإنّه فضيحة. وإن رآها متنقبة فإنّه أمر مع ندامة. فإن رأى كأن عجوزاً دخلت داره، أقبلت دنياه، وإن رآها خرجت عن داره زالت عنه دنياه. فإن تكن العجوز مسلمة، فهي دنيا حرام. فإن كانت مسلمة فهي دنيا حلال. وإن كان قبيحة فلا خير فيها. والعجوز المجهولة في التأويل أقوى. فإن رأت امرأة شابة في منامها كأنّها قد تحولت عجوزاً، دلت رؤياها على حسن دينها. فإن رأى الرجل عجوزاً لا تطاوعه وهو يهم بها. فهي دنيا تتعذر عليه. فإن طاوعته نال من الدنيا بقدر مطاوعتها.
وأما الصبي: في التأويل، فعدو ضعيف يظهر صداقة ثم يظهر عداوة. فإن رأى رجل كأنّه صار صبياً، ذهبت مروءته. إلا أنّ رؤياه تدل على الفرج من هم فيه. فإن رأى كأنّه يحمل صبياً، فإنّه يدير ملكاً. ومن رأى كأنّه يتعلم في الكتب القرآن الأدب، فإنّه يتوب من الذنوب. ومن رأى كأنّه ولد له جملة من الأولاد دلّت رؤياه على هم، لأنّ الأطفال لا يمكن تربيتهم إلا بمقاساة الهموم.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ في حجري صبياً يصيح.فقال: اتق الله ولا تضرب بالعود. وقيل من رأى له ولداً صغيراً بعد لا يخالط جسده، فهو زيادة ينالها أو يغتم. وقيل الصبيان الصغار يدلون على هموم يسيرة.
والصبية في المنام: خصب وفرج، ويسر بعد عسر ينمو ويزيد. والوصيفة، خير محدث فيه ثناء حسن وخيرِ مرجو. ومن رأى كأنّه اشترى غلاماً، أصابه هم. ومن اشترى جارية، أصاب خيراً. وإن رأى العبد غير البالغ كأنه قد أدرك الحلم فإنّه يعتق. فإن رأى كأنّه أدرك وطرح عليه رداء أبيض، فإنّه يتزوج امرأة حرة. وإن رأى كأنّه طرح عليه رداء أسود، فإنّه يتزوج مولاة. ومن رأى كأنّه طرح عليه رداء أرجواني، تزوج بامرأة شريفة الحسب. فإن رأى مثل هذه الرؤيا شاب دلت رؤياه على أنّ ابنه يبلغ. وإن رآها شيخ، دلت رؤِياه على موته. وإن رآها مرتكب لمعصية خفية، فإنّه يفتضح. ومن رأى أنّه أصاب ولداً بالغاً، فهو له عز وقوة، وأمه أولى به في أحكام التأويل من أبيه، وإذا رأت امرأة ذكراً أمرد، فهو خيرِ يأتيها على قدر حسنه أو قبحه. وقيل: من كان له ابن صغير، ورأى أنه قد صار رجلاً، دل على موته. وقيل: من كان من الصبيان قد أدرك ولحق بالرجال، فإنّه يدل على تقوية ومساعدة. ومن الناس من يرى أنّه ولد له غلام وكانت امرأته حبلى، فإنّها تلد جارية. ويرى أنّها ولدت جارية، فتلد غلاماً، وربما اختلفت الطبيعة في ذلك، فيرى أنّه ولد له غلام، فهو غلام، أو يرى أنّه ولد له جارية فهي جارية، فسل عن ذلك الطبائع، فإنّه تخبرك. وقيل الوصيف خير.
وحكي أنّ امرأة بمكة تقرأ القرآن، رأت كأنّ حول الكعبة وصائف بأيديهن الريحان وعليهن معصفرات، وكأنّها قالت سبحان الله هذا حول الكعبة؟ قيل لها: أما علمت أنّ عبد العزيز بن أبي داود تزوج الليلة. فانتبهت، فإذا عبد العزيز بن أبي داود قد مات.
الباب الثاني والعشرون
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل اختلاف الإنسان وأعضائه
واحداً واحداً على الترتيب
قالت الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: بشرة الإنسان وجلده ستره. وسواد البشرة في التأويل سؤدد في ترك الدين، فمن رأى كأنّه اسودّ وِجهه وهو لابس ثياباً بيضاً دلت رؤياه على أنّه يولد ابنة، لقوله تعالى: " وإذا بُشرَ أحَدُهُمْ بالأنْثَى ظلَّ وجهه مُسْوَدّاً " . وقد رأى أمير المؤمنين المهدي رحمه الله في منامه، كأنّ وجهه أسود، فانتبه مذعوراً، ودعا بإبراهيم بن عبد الله الكرماني، فأنهض إليه من الشيرجان، فقص عليه رؤياه، فقال: سيولد لك ابنة، وتلا هذه الاية، فولدت له من ليلته ابنة، ففرح من ذلك وأحسن جائزته. فإدن رأى أنّ وجهه اسود وثيابه وسخة، دلت رؤياه أنّه يكذب على اللهّ. فإن رأى كأنّ وجهه أسود مغبر، دلت رؤياه على موته.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت رجلاً أسود ميتاً، يغسله رجل عليه. فقال أما موته فكفره، وأما سواده فماله، وأما هذا القائم يغسله فإنّه يخادعه ماله.
وحكي أنّ رجلاً قال لابن سيرين: رأيت كأنّ رجلاً معلق من السماء بسلسلة ونصف بدنه أسود، ونصف بدنه أبيض، وله ذنب كذنب الحمار. قال ابن سيرين: أنا ذلك الرجل، أما نصف بدني الأبيض فورد لي بالنهار، والنصف الأسود ورد الليل والسلسلة التي علقت بها من السماء، فذكر مني يصعد أبداً إلى السماء، وأما الذنب فدين يجتمع علي، ومؤتي فيه، فكان كما عبره.
ٍوقيل: إنّ الشجاع إذا رأى في منامه أنّ وجهه أسود، دل ذلك على أنّه يصير جباناً.
وأتى ابن سيرين رجلٌ فقال: إني خطبت امرأة فرأيتها في المنام سوداء قصيرة.فقال أما سوادها فمالها، وأما قصرها فقصر عمرها، فلم تلبث إلا قليلاً حتى ماتت، وورثها الرجل.
وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام امرأة سوداء ناشرة الرأس، خرجت من المدينة حتى أقامت بالجحفة، فأولها النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ وباء المدينة انتقل إلى الجحفة. وحكي أنّ رجلاً رأى كأنّه أهدي إليه غلام نوبي، فلما أصبح أهدي إليه عدل فحم. ومن رأى نسوة زنجيات قد أشرفن عليه، فإنّه يشرف عليه خير لرؤيتهن. والكبير شريف، ولكن من جنس العدو.
وحمرة اللون وجاهة وفرح، وقيل إن كان مع الحمرة بياض، نال صاحبها عزاً. وصفرة اللون مرض، وقيل من رأى وجهه أصفر فاقعاً، فإنّه يكونِ وجيهاً في الآخرة، ومن المقربين، وأما بياض اللون، فمن رأى كأنّ وجهه أشد بياضاً مما كان، حسن دينه واستقام على الإيمان. فإن رأى أنّ لون خده أبيض، فإنّه ينال عزاً وكرماً. وحكي أنّ رجلاً شاباً رأى كأنّ وجهه قد لطخ بالحمرة مثل النساء، وكأنّه قاعد في مجمع النساء، فعرض له من ذلك أنّه زنى فافتضح.
وأما الرأس: في التأويل فرأس الإنسان الذي هو تحت يده، ورأس ماله وجدّه، فمن رأى كأنّ رأسه أعظم مما كان، زاد شرفه. ومن رأى كأنّ رأسه أصغر مما كان، نقص شرفه. ومنِ رأى كأنّ له رأسين أو ثلاثة، فإنّه ينال ظفراً بالأعداء، وإن كان مبارزاً. وإن كان فقيراَ استغنى، وإن كان غنياً يكون له أولاد بررة، وإن كان عزباً يتزوج وينال ما يريد.
فإن رأى تاجر كأنّه منكوس الرأس، خسر في تجارته. فإن رأى الرجل أنّه منكوس الرأس معلق، طال عمره في جهد وتوبيخ، لقصة هاروت وماروت فإن رأى كأنّه منكوس الرأس منحن في ملأ، فإنه قد عمل خطيئة وهونادم عليها تائب منها. وأصل هذه الرؤيا تدل على طول العمر، لقوله تعالى: " ومَنْ نُعَمِّرهُ نُنَكِّسْه في الخَلْقِ " . وقيل من رأى رأسه مقلوباً، فإن ذلك يدل فيمنِ يريد سفراً، على مانعِ يمنعه من خروجه، على أنّه لا يرى ما يتمنّاه عاجلاً لكن آجلاً. ويدل لمن كان مسافراً غريباً على رجوعه إلى بلده، بعد إبطاء على غير طمع. والرأس والعنق، وإذا رآهما الإنسان وكان فيهما قرحة أو ألم، فإن ذلك مرض يكون في جميع الناس بالسوية.
فإن رأى أنّ رأسه صار مثل رأس الكلب أو الحمار أو الفرس أو غيرها من الأنعام،فإنّه يصير إلى الكد والتعب والعبودية. ومن رأى كأنّ رأسه استحال رأس فيل أو أسد أو نمر أو ذئب، فقد قيل أنّه يأخذ في ***** أمور أرفع من قدره وينتفع بها وينال الرياسة والظفر على الأعداء، فإن رأى أنّ رأسه رأس طير، دلت رؤياه على كثرِة الأسفار. فإن رأى رأسه مطيّباً مدهوناً، دلت رؤياه على حسن جدّه. فإن رأى رؤوساً مقطوعة، دلت رؤياه على خضوع الناس له، فإن رأى كأنّه أكل رأس إنسان نيئاً، فإنّه يغتاب رئيساً، ويصيب مالاً من بعض الرؤساء. فإن رأى كأنّه أكله مطبوخاً، فهو رأس مال ذلك الرجل إن كان معروفاً وإلا فهو مال نفسه يأكله. فإن رأى كأنّه أخذ رأس ماله بيده، فهو مال يصير إليه، أكثره دية وأقله ألف درهم، وهذه الرؤيا تدل على وقوع صلح بينه وبين رجل له عليه دين، لقوله تعالى: " وإنْ تُبْتُمْ فَلَكُم رُؤُوسُ أمْوالِكُم " . فإن رأى كأنّ رأسه بان عنه من غير ضرب، فإنّه يفارق رئيسه. فإن حمل رأسه من ذلك الموضع، ذهبت رياسته. فإن كان رأسه قطع، فأخذه ووضعه فعاد صحيحاً كما كان، فإنّه يقتل في الجهاد. ومن رأى كأنّ رأسه بان عنه فأحرزه، أصاب مالاً بقدر ديته، وعوفي إن كان مريضاً.
والرأس على رمح أو خشبة رئيس مرتفع الشأن، ومن رأى كأنّ رأساً من رؤوس الناس في وعاء عليه دم، فهوِ رجل رئيس يكذب عليه. ومن رأى كأنّ رقبته ضربت وبان رأسه عنه، فإن كان مريضاً شفي، أو مديوناً قضي دينه، أو صرورة حج. وإن كان في كرب أو حرب فرج عنه، فإن عرف الذي ضريه فإنّ ذلك يجري على يدي من ضربه، فإن كان الذي ضربه صبياً لم يبلغ، فإنّ ذلك راحته وفرجه مما هو فيه من كرب أو مرض، وهو موته على تلك الحال. وكذلك لو رأى وهو مريض قد طال مرضه، وتساقطت عنه ذنوبه، أو معروف بالصلاح، فهو يلقى الله على خير حالاته ويفرج عنه. وكذلك المرأة النفساء، والمريض المبطون، أو من هو في بحر العدو، وما يستدل به على الشهادة. فإن رأى ضرب العنق لمن ليس به كرب ولا شيء مما وصفت، فإنّه ينقطع ما هو فيه من النعيم، ويفارقه بفرقة رئيسه، ويزول سلطانه عنه، ويتغير حاله في جميع أمره.
فإن رأى أنّ ملكاً أو والياً يضرب عنقه، فإنّ الوالي هو الله ينجيه من همومه، ويعينه على أموره. فإن رأى أنّ ملكاً ضرب رقاب رعيته، فإنّه يعفو عن المذنبين ويعتق رقابهم. وضرب الرقبة في المماليك، يدل على العتق. وقيل من رأى أنّ رقبته تضرب، إما بحكم الحاكم، وإما بقطع الطريق، وإما في الحرب أو غيره، فإنّ ذلك مذموم لمن كان أبواه باقيينِ، وكان له ولد، وذلك أنّ الرأس يشبه بالوالدين، لأنّهما سبب الحياة، ويشبه أيضاً بالأولاد من أجل الصورة. فإن رأى ذلك خائف، أو من حكم عليه بالقتل، فهو محمود، لأنّ البلاء يصيب الإنسان مرة واحدة، ليس يصيبه مرة ثانية. فأما في الصيارفة وأرباب رؤوس الأموال، فإنّه يدل على ذهاب رؤوس أموالهم. ويدل على المسافرين، على رجوعهم، وفي المخاصمين على الغلبة. لأنّ البدن إذا قطع رأسه عدم الشفاء. وإن رأى أنّ رأسه في يده، فذاك صالح لمن لم يكن له أولاد، ولم يقدر على الخروجِ في سفر. وإذا رأى كأنّ في يده رأسه، وله رأس اخر طبيعي، دل على أنّه يقاوم شيئاً من الآفات التي تكتنفه، ويصلح شيئاً من أموره الرديئة التي في تد بيره.
وروي أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت رأسي قطع، فكأني أنظر إليه بإحدى عيني. فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: بأيهما كنت تنظر إليه: فلبث ما شاء الله أن يلبث؟ ثم مات صلى الله عليه وسلم. والنظر إليه اتباع السنة، والرأس الإمام.
ورأى ابن مريم ستين جارية يدخلن داره، وفي يد كل جارية طبق، وعليه رأس إنسان مغسول ممشوط، فكأنّ تالياً يتلو: " ومَا كَانَ لِبَشَرِ أنْ يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب " . فقص رؤياه، فقيل له أنّ الخليفة يقَلدك حجته، وأنّك تنال ستين ألف دينار،ً فكان كذلك.
ومن رأى رؤوس الناس مقطوعة بيده في محله، فإنّ الناس ينقادون إليه، ويأتون ذلك الموضع، وربما اجتمع الناس هناك. فإن رأى أنّه ملك رأساً، فإنّه مال يصير إليه أقله ألف درهم وأكثره ألف دينار. فإن رأى الإمام في رأسه عظماً فهو زيادة وقوة في سلطانه. فإن رأى كأنّ رأسه رأس كبش، فإنّه يعدل وينصف. فإن رأى كأنّ رأسه رأس كلب، فإنّه يجور ويعامل رعيته بالسفه.
وشعر الرأس: مال وطول عمر، والجمة تختلف باختلاف صاحب الرؤيا، فإن رآها صاحب صلاح على رأسه، فهو زيادة ووقاية وهيبة له. وإن رآها غني فهوِ ماله. رآها فقير فهي ذنوبه. وحسن شعر الرأس شرف وعز، فإن رأى شعره جعداً وسبطاً فإنّه يشرف ويعز. فإن رأى شعره الجعد سبطاً فإنّه يتضع ويصير دون ما كان. وإن رآه سبطاً طويلاً متفرقاً، فإنّ مال رئيسه يتفرق، وإن كان ناعماً ليناً فإنّه زيادة مال رئيس وقيل من رأى كأن له شعراً طويلاً وهو مسرور به، فإنّه محمود وخاصة في النساء، فإنّهن يستعملن شعور غيرهن في الزينة.
وكان ابن سيرين يكره بياض الشعر للشاب، ويقول الشيب الافتقار والهم إذا طال الشعر. فإن رأى ذلك فقير اجتمع عليه مع فقره دين، وربما حبس. فإن رأى: أنه نتف شيبه، فإنّه يخالف السنة ويستخف بالمشايخ، فإن رأى شاب في شعره بياض فإنه قدوم غائب عليه. وقيل إنّ الشيب في التأويل، زيادة وقار ودين. وقيل هو زيادة عمر لقوله تعالى: " ثمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً " . وقيل إنّ من رأى رأسه أشيب، فإنّه يولد له، لقوله تعالى: " واشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْبَا " .
وحكي أنّ الحجاج بن يوسف رأى كأنّ رأسه ولحيته قد ابيضا، فلقي عبد الملك بن مروان همّاً وغمّاً، وتغير في أمره. وأما المرأة إذا رأت شيب جميع رأسه دلت رؤياها على فسق زوجها. فإن كان زوجها صالحاً، فإنّه يغايرها بامرأة أخرى جارية. وإن لم يكن كذلك فإنّه يصيبه منها غم أو حزن. وأما الذؤابة للرجل، فإنّه ابن مبارك إن كان متزوجاً، وإن كان عزباً فهي جارية جميلة يشتريها بعدد كل ذؤابة وكذلك هي للمرأة ابن رئيس، وتدل على خصب السنة، وأما سواد شعر المرأة، فيدل على شيئين: أحدهما محبة زوجها لها، والثاني استقامه أحوال زوجها. فإن رأت امرأة كأنّها كشفت شعرها، فإنّ زوجها يغيب عنها. فإن رأت كأنها لم تزِل مكشوفة الرأس، فإن زوجها لا يرجع إليها. وإن لم يكن لها زوج، لم تتزوج أبداً، فإن رأت شعرت كثيفاً وأبصر الناس ذلك منها، فإنّها تفتضح في أمر.
فإن رأى الرجل كأنّ على رأسه قروناً، فإنّه رجل منيع، فإن رأى كأنّ شعر مقدم رأسه انتثر، أصابه ذل في الوقت، فإن رأى كأنّ شعر مؤخر رأسه قد انتثر، دل على هوان يصيبه في حال شيبه. فإن رأى كأنّ شعر الجانب الأيسر من رأسه انتثر، دل على أنّه يصاب بالذكور، ومن أقربائه. فإن كان شعر الجانب الأيسر من رأسه انتثر، فإذّ يصاب بالإناث من أقربائه. فإن لم يكن له قرابة من الرجال والنساء، رجع الضرر إلى نفسه.
وأما حلق الشعر للرجال في الحج وتقصيره، فهو في التأويل أمن وفتح وقضاء دين وفرخ، لقوله تعالى: " لتَدْخُلُنّ المَسْجِدَ الحرامَ إنْ شَاءَ الله آمِنينَ محلِقينَ رُؤُوسَكُم ومُقَصِّرينَ لاَ تَخَافُونَ " . وفي غير الحج كذلك، إلا أنّه في الحج أقوى. هذا إذا لم يكن صاحب الرؤيا رئيساً، فإن كان رئيساً وحلق في غير الموسم، دلت رؤياه على افتقاره أو عزله أو هتك ستره، فهذه الرؤيا للفقير قضاء دين، وللغني نقصان مال. وإن كان صاحب الرؤيا من أهل الصلاح، ضعف بطشه، وإن لم ير أنّه لم يحلق رأسه، لكن رأى أنّه محلوق الرأس، ظفر بالأعداء ونال قوة وعزاً. وقال بعضهم: إنّما يصلح الحلق في التأويل لمن عادته الحلق، ولا يصلح لمن عادته غير الحلق. وقيل إن حلق الرأس للمحارب يوجب الشهادة في التأويل.
وحكي أنّ رجلاً قال: رأيت رأسي حلق وخرج من فمي طائر، وأنّ امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها، ورأيت أبي يطالبني طلباً حثيثاً، ثم حبس عني. فقصها على أصحابه، وقال إني تأولتها، أما حلق رأسي فوضعه، وأما الطائر الذي خرج مني فروحي، والمرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأغيب فيها، وأما طلب أبي إياي ثم حبسه عني، فإنه يجتهد أن يصيبه ما أصابني. فقتل صاحب الرؤيا شهيداً. ورأى آخر كأنّه يحلق رأسه بيده، فقصها على معبر فقال: تقضي دينك.
فإن رأت امرأة أنّ شعرها محلوق، يخلعها زوجها، أو تموت. فإن رأت كأنّ زوجها حلق رأسها، أو جز شعرها في الحرم، دلت رؤياها على قضاء دينها وأداء أمانتها. وإن رأت أنّ زوجها حلق رأسها في غير الحرم، دلت رؤياها على أنّه يحبسها في منزله، فإنّ الطائر يبقى في عشه إذا قطع جناحه. وقيل أنّ حلقه إياها، يدل على هتك سترها. وإن رأت كأنّ إنساناً دعاها إلى جز شعرها، فإنّه يدعو زوجها إلى غيرها من النساء سراً منها، ويقع بينها وبينِ ذلك الإنسان عداوة وشحناء. وقيل من رأى ذوائب امرأة مقطوعة، فإنّها لا تلد ولداً أبداً.
وأما الدماغ: فإنّه يدل على العقل، ومن رأى أنّ له دماغاً كبيراً، دل على كثرة عقله، فإن رأى كأنّه لا دماغ له، دل على جهله وقلة عقله. وقيل أنّ الدماغ مال نزر مدخور طاهر. فإن رأى كأنّه أكل دماغه أو مخ بعض عظامه، فإنه يأكل ماله. وقال بعضهم أكل دماغ الميت، يوجب سرعة الموت.
والطرة: الحسنة مال وعز، وقيل إنّ صاحب الرؤيا يتزوج امرأة، جمالها حسب جمال الطرة التي رآها.
والجبهة: جاه الرجل وهيبته، والعيب فيها نقصان في الجاه، والهيبة. والزيادة فيها إذا لم تتفاحش، توجب أن يولد له ابن يسود أهل بيته. وقيل من رأى جبهته من حديد أو نحاس أو حجر، فإنّ ذلك محمي للشرط أو السوقة. ولمن كان تدبير معاشه من قمحه، وأما الباقون، فهذه الرؤيا تبغضهم إلى الناس.
وأما الصدغان: فابنان شريفان مباركان. والحاجبان: حسن سمت الرجل،وحسن دينه وجاهه والنقصان فيهما نقصان في هذه وقيل إذا كان الحاجبان متكاثفي الشعر فهما محمودان، من أجل أنّ النساء يسودن حواجبهن طلباً للزينة.
وأما العين: فدين الرجل وبصيرته التي يبصر بها الهدى والضلالة. فإن رأى في جسده عيوناً كثيرة، دل على زيادة صلاحه ودينه. فإن رأى كأنّ بطنه انشق فرأى في باطنه عيوناَ، فإنّه زنديق، لقوله تعالى: " مَا جَعَلَ الله لِرَجُل منْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ " . فإن رأى كأنّ عينيه عينا إنسان آخر غريب مجهول، دلت رؤياه على ذهاب بصره، ويكون غيره يهديه الطريق. فإن كان الرجل معروفاً فإنّ صاحب الرؤيا يتزوج ابنته وتصيب منه خيراً. فإن رأى كأنّ عينيه ذهبتا، مات أولاده، ومن رأى أنّه أعمى العينين وهو في غربة، دل على امتداد غربته إلى أن يموت. فإن رأى كأنّ عينيه من حديد، ناله همّ شديد يؤدي إلى هتك ستره. فإن رأى أنّه فتح عينيه على رجل، فإنّه ينظر في أمره ويعينه. وإن رأى كأنّه نظر إليه شزراً، فإنّه يحقد عليه، ومن رأى كأنّه يسمع بالعين وينظر بالأذن، فإن يحمل أهله وابنته على ارتكاب المعاصي. ومن رأى على كفه عين رجل أو عين بهيمة، نال مالاً عيّناً. ومن رأى كأنّه نظر إلى عين فأعجبته فاستحسنها، فإنّه يعمل شيئاً يضر بدينه. والعين السوداء الدين. اوالزرقاء البدعة، والشهلاء مخالفة الدين. والخضراء دين يخالف الأديان. فإن رأى لقلبه عيناً أو عيوناً، فهو صلاح في الدين بقدر نورها. فإن رأى أنّه زنى بالعين، فإنّه ينظر إلى النساء. فإن رأى أنّ عينه مسمرة، فإنّه ينظر بريبة إلى امرأة صديقه، وحدة البصر محمودة لجميع الناس، ومن كان له أولاد ورأى هذه الرؤيا، دل على أنّهم يمرضون، لأن الأولاد بمنزلة العينين محبوبتان. ورأى الحجاج بن يوسف كأنّ عينيه سقطتا في حجره، فنعي إليه أخوه محمد وابنه محمد. ورأى بعض اليهود جارية في السماء أو عين جارية، فقص رؤياه على برهمي، فقال تصيب مالاً من التجارة. فإن رآها صانع، أصاب مالاً من صناعته.
وأهداب العينين: في التأويل وقاية للدين. فإنّه أوقى للعينين من الحاجبين. وقيل الصلاح والفساد فيهما راجعان إلى الولد والمال. فإن رأى كأنّ أهداب عينيه كثيرة حسنة، فإنّ دينه حصين. فإن رأى كأنه قعد في ظل أهداب عينيه، فإن كان صاحب دين وعلم، فإنّه يعيش في ظل دينه. وإن كان صاحب دنيا، فإنّه يأخذ أموال الناس ويتوارى، فإن رأى كأنّه ليس لعينيه هدب، فإنّه يضيع شراثع الدين. فإن نتفها إنسان، فإن عدوه ينصحه في دينه. فإن رأى كأنّ أشعاره ابيضّت دل على مرض يصيبه من الرأس أو العينين أو الأذنين أو الضرس.
وحسن الوجنة: في النوم دليل الخصب والفرج، وقبحها دليل السقم والضر والخدان عمل الرجل. فإن رأى الإمام في وجنته سعة فوق القدر، فهو زيادة عزه وبهائه.
وأما الأنف: فيقال أنّه جمال للرجال، ويقال هو قرابة الرجل، فإن رأى كأنّه لا أنف له، فلا رحم له. فإن رأى كأنّ له أنفين، فإنّه يدل على اختلاف يقع بيه وبين الأهل، لأنّ الأنف ليس بغريب، فإن شم رائحة طيبة، دلت على فرج يصيبه. وإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حبلى، فإنّها تلد ولداً ساراً. ويقال أن الأنف، الولد ويقال الجاه والحسب. ويقال الأبوان، وتأويل ما يدخل في الأنف، يجري مجرى الدواء، وما يدخل فيه من مكروه، فهو غيط يكظم، ومن رأى كأنّ له خرطوماً، دل على أنّ له حسباً قوياً.
والفم: فاتحة أمر صاحبه، وخاتمته، فإن رأى كأنّه خرج من فمه شيء، فهو يدل على الرزق من خير أو شر. فإن رأى فمه متعلق أو مقفل عليه. دلت رؤياه على الكفر. والشفة صديق الرجل الذي يتجمل به، وعونه ومعتمده. والسفلى أقوى في التأويل من العليا، وقيل الشفة في التأويل القرابة، والعليا صديقه الذي يعتمد عليه في جميع أموره فما حدث فيهما من حدث ففيما وصفت، فإن رأى فيهما الماء، فإن أمر الأصدقاء ليس يجري على ما ينبغي.
وأما اللسان: فترجمان صاحبه، ومدبر أمره، المؤدي لما في قلبه وجوارحه، من صلاح أو فساد، يجري ذلك على ترجمته بما ينطق. فإذا كان فيه زيادة من طول أو عرض أو انبساط في الكلام عند الحجج، فهو قوة وظفر. وإن رأى كأن لسانه طويلاً لا على حال المخاصمة والمنازعة، دل على بذاءة اللسان. وقد يكون طول اللسان ظفر صاحبه في فصاحته ومنطقه وعلمه وأدبه وعظته. فإن رأى الإمام كأنّ لسانه طال، فإنه يكثر أسلحته، ويدل على أنّه ينال مالاً بسبب ترجمان له. واللسان المربوط في التأويل، دليل على الفقر ودليلِ المريض. فإن رأى كأنّه نبت على لسانه شعر أسود، فهو شر عاجل. وإن كان شعراً أبيض فهِو شر آجل. فإن رأى كأنّ له لسانين، رزق علماً إلى علمه، وحجة إلى حجته وظفراً على أعدائه. وقيل المعتدل المقدار في الفم الصحيح، محمود لجميع النالس.
وأما اللهاة: فإذا رأى أنّها زادت حتى كادت تسد حلقه، دلت رؤياه على حرصه في جمع المال، وتضيق النفقة على نفسه، وقد دنا أجله.
وأما الأسنان: فإنّهم أهل بيت الرجل، فالعليا هم الرجال من أهل البيت، والسفلى هم النساء، فالناب سيد بيته، والثنية اليمنى الأب، والثنية اليسرى العم وإن لم يكونا فأخوان أو ابنان، فإن لم يكونا فصديقان شقيقان، والرباعية ابن العم، والضواحك الأخوال والخالات، ومن يقوم مقامهم في النصح، والأضراس الأجداد، والبنون الصغار، والثنية السفلى اليمنى الأم، واليسرى العمة، فإن لم يكون فأُختان أو ابنتان أو من يقوم مقامهما، والرباعية السفلى بنات العم وبنات العمات، والناب السفلى سيدة أهل بيتها، والضواحك السفلى بنات الخال والخالة وأضراس السفل الأبعدون من أهل بيت الرجل، من النساء والبنات الصغار.
وحركة بعض الأسنان، دليل على من هو تأويله في المرض، وسقوطه وضياعه دليل على موته أو غيبته عنه غيبة من لا يعود إليه، فإن أصابه بعدما فقده، فإنّه يرجع، وتآكله دليل على بلاء يصيب من ينتسب إليه. واصطكاك الأسنان على جدال بين أهل بيته. فإن رأى في أسنانه قلحاً، فهو عيب بأهل بيته يرجع إليه. ونتن الأسنان قبح الثناء على أهل البيت، وكلال الأسنان ضعف حال أهل بيته، وتنقية الأسنان من القلوحة، يدلي على بذل المالي في نفي الهموم عنهم. وبياض الأسنان وطولها وجمالها، زيادة قوة ومال وجاه لأهل البيت. فإن رأى كأنه نبت مع ثنيته مثلها، فإنّ أهلِ بيته يزيدون. فإن رأى كأنّ النابت معها يضرها، كان الزائد في أهل البيت عاراً ووبالاً عليه.
فإن رأى كأنّه قلع أسنانه، دلت رؤياه على قطع رحمه، أو ينفق ماله على كره منه. فإن رأى كأنّه يرمي أسنانه بلسانه، فسدت أمور أهل بيته بكلام يتكلّم به. فإن رأى كأنّ أسنانه من ذهب، فإن كان من أهل العلم والكلام حمدت رؤياه، وإلا فلا تحمد، لأنّها تدل في غير العلم وأهله، على مرض أو حريق، فإن رأى كأنّها من فضة، دلت على خسران في المال. فإن رآها من زجاج أو خشب، دلت على الموت. فإن رأى مقاديم أسنانه سقطت فنبت مكانها أخرى، دلت على تغيير أموره وتدابيره.
وقيل أنّ من رأى أسنانه العليا سقطت في يده، فهو مال يصير إليه. فإن رآها قطت في حجره، فهو ابن، لقوله تعالى: " ويكلم الناس في المهد " . يعني في حجر. فإن رآها سقطت إلى الأرض، فهي الموت. فإن رأى كأنّه أمسك الساقط من ضانه فلم يدفنه، فإنّه يستفيد بدل من هو مثله في الشفقة والنصيحة وكذلك التأويل في سائر الأعضاء إذا أصابتها آفة فلم يدفنها. فإن رأى كأنه نبت في قلبه أسنان، دل على موته، وقيل أنّ سقوط الأسنان يدل على عائق يعوق فيما يريده، وقيل هو دليل قضاء الديون. فإن رأى كأنّ جميع أسنانه سقطت، وأخذها في كمه أو حجره، فإنه يعيش عيشاً طويلاً حتى تسقط أسنانه، ويكثر عدد أهل بيته. وإن رأى كأنّ جميع أسنانه قطت وذهبت عن بصره، فإنّ أهل بيته يموتون قبله، وربما كان ذلك موت ذوي سنه. من الناس ،وأقرانه في العمر.
فإن رأى كأنّ الناس يلكوه بأضراسهم أو يعضوه، فإنّه يمكنه أن يتضع للناس فلا يتضع، وقيل ينبغي أن يجعل الفم بمنزلة المنزل، والأسنان بمنزلة السكان، فما كان فيها من ناحية اليمنى فهو يدل على الذكور، وما كان من اليسرى فهو يدل على الإناث، في جميع الناس إلا قليلاً منهم. وقيل من رأى أسنانه تنكسر فإنه يقضي دينه قليلاً قليلاً. فإن تساقط أسنانه بلا وجع، يدل على أعمال تبطل. فإن رأى كأنّها تسقط بلا وجع، يدل على ذهاب شيء مما في منزله. ومقاديم الأسنان إذا سقطت، منعت من أن يفعل الإنسان شيئاً مما يعمل بالكلام والقول. فإن كان مع ذلك وجع أو خروج دم أو لحم، فإنّ ذلك يبطل أو يفسد الأمر الذي يراد.
وأما الأصحاء والأحرار والمسافرون، إذا سقطت جميع أسنانهم، دل على مرض طويل ووقوع في السل من غير أن يموتوا، وذلك أنّ الإنسان لا يمكنه أن ينال الغذاء القوي بلا أسنان، لكنه يستعمل الإحساء والعصارات، وإنّما لا يموتون لأنّ الموتى لا تسقط أسنانهم، والشيء الذي لا يعرض للموتى هو مخلص للمرضى فلهذا السبب صار محموداً في المرض. وإن تساقطت أسنانهم جميعاً فإنّه يدل على سرعة نجاتهم من المرض، وأما التجار المسافرون فيدل على خفة حملهم، وخاصة إن رأى أنّ تلك الأسنان تتحرك، فإن رأى كأنّ بعض أسنانه قد طال وازداد عظماً، دل على جدال وخصومة في منزل. ومن كانت أسنانه سوداً متآكلة معوجة، فرأى سقوطها، فإنه ينجو من جميع الشدائد. فإن رأى كأنّ أسنانه تسقط وهو يأخذها بيده أو بلحيته وفي حجره، فذلك يدل على أنّ أولاده تنقطع، فلا يولد له، وما يلد فلا يبقى ولا يتربى.
وحكي أنّ رجلاً رأى أسنانه كلها سقطت، فاغتم لذلك غماً شديداً، وقص رؤياه على معبر، فقال: تموت أسنانك كلها قبلك، فكان كذلك. ورأى اخر كأنّه أخذ ثلاث أسنان من فمه في كفه، وضم عليهم أنامله، فعرض له أنّه وجد درهماً ونصفاً.
والذّقن: في التأويل سيد عشيرته، وصاحب نسل كثير.
والأذن امرأة الرجل أو ابنته، فإن رأى كأنّ له ثلاثة اذان، دلت على أنّ له امرأة وابنتين، فإن كان له أربع آذان، دلت رؤياه على أحد خصلتين، إما أن يكون له أربع نسوة، أو أربع بنات لا أم لهن. فإن رأى كأنّ أذنه بانت منه فإنّه يطلق امرأته أو تموت ابنته. فإن رأى كأنّ له أذناً واحدة، فلا يعيش له قريب فإن رأى كأنّ له نصف أذن دلت الرؤيا علىِ موت امرأته وتزويجه بأخرى. فإن رأى كأنّ في أذنه خاتماً معلقاً، يزوج ابنته رجلاَ فتلد له ابناً. وقيل الدينِ الأذن، فإن رأى كأنّه حشا أذنيه بشيء، دلت رؤياه على الكفر. وإن رأى كألنّ له آذاناً كثيرة، فإنّه يعرض عن الحق فلا يقبله، لقوله تعالى: " أمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بها " .
وقيل أنّ الغنيِ إذا رأى آذاناً حساناً متشاكلة، سمع أخباراً حساناً سارة، فإذا لم تكن متشاكلة حساناً، سمع أخباراً كثيرة كريهة. ومن رأى كأنّ في أذنيه عينين، فإنه يعمىِ، ويعاين الأشياء التي كان يعاينها بعينيه ويسمعها بأذنيه. وقيل من رأى كأنّ آذاناً كثيرة، فذلك محمود لمن أراد أن يكون له إنساناً يطيعه، مثل المرأة والأولدا والمماليك. وأما الأغنياء، فإنّه تدل على أخبار تأتيهم محمودة إذا كانت الآذان حساذ أشكالاً. وإذا لم تكن حساناً ولا جيدة الأشكال، فإنّها أخبار مذمومة. وأما المماليك وأصحاب الخصومات المدعى منهم، فإنّها تدل على أنّ عبوديته تدوم، ويسمع ويطيع. ويدل المدعي على أنّ الحكم يلزمه.
وحكي أنّ إنساناً رأى أنّ له اثنتي عشرة أذناً وأكثر، فقص رؤياه علىِ معبر فقال:إن كان صاحب مماليك وحشم، فإنّه دليل خير كثير يناله، وإن كان غنياً، فإنّه يأتيه أخبار على قدر عدد الآذان من البلدان، بسبب معاش، وإن كان مملوكاً، أصابه مذمة وغم، وإن كان له خصوم، حكم عليه القاضي بأحكام كثيرة، وسمع كلاماً رديئاً، وإن كان في خصومة، ظفر بخصمائه.
وأما اللحية: فمن رأى كأنّها طالت فوق قدرها، دلت رؤياه على دين وغم. فإن طالت حتى سقطت على الأرض، دلت على الموت، لقوله تعالى: " مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وفِيهَا نُعِيدُكُمْ " . فإن طالت حتى التصقت ببطنه، أصاب مالاً وجاهاً يتعب فيه بقدر ما كان منها على بطنه. فإن رأى أن طولها لقدر حسن موافق، نال مالاً وجاهاً وعيشاً طيباً. وقيل أنّها إن طالت حتى بلغت السرة، دلت على أنّه في غير طاعة الله. فإن رأى أنّ جوانبها طالت دون وسطها، فإنّه ينال مالاً يستمتع به غيره، وأتى ابن سيرين رجل، فقال: رأيت لحيتي بلغت سرّتي، وأنا أنظر فيها. فقال: أنت مؤذنَ تنظر في دور الجيران.
ولا تحمد اللحية في التأويل للصبي غير البالغ، فإن رأى أنّه أخذ لحية غيره بيده وجرها، فإنّه يرث ماله ويأكله. ونقصان اللحية إذا لم يكثر، دليل على اليسر وقضاء الدين والفرج. وإذا كثر نقصانها، دل على الهوان وذهاب المال والجاه. فإن رأى كأنّ كوسجاً يكلم امرأته، تشوش عليه أمره بقدره، ويفرق بينه وبين أحبابه، لأنّ إبليس لعنه الله كلّم حواء في صورة كوسج.
وسواد شعر اللحية يدل على الإستغناء إذا كان حالكاً، فإذا ضرب السواد إلى الخضرة، نال ملكاً ومالاً كثيراً، ولكن يكون طاغياً، لأنّها صفة لحية فرعون. وصفرتها دليل على الفقر والقلة، وأما الحمرة فدليل الورع. وإذا رأى كأنّه تناول لحيته وانتثر شعرها بيده. وأمسكه ولم يرم له، فإنّه يذهب من يده مال ثم يعود إليه فإن رأى كأنّه رمى به، ذهب منه مال ولا يعود إليه.
زيادة شعر الشارب مكروهة. ونقصانه محمود، وتأويل نتف اللحية للغني إسرافه في ماله، وللفقير يدل على غمين يجتمعان عليه، ويدل على أنّه يستقرض من إنسان شيئاً فيقرضه لآخر. وحلق اللحية ذهاب المالي والجاه. فإن رأى كأنّه قطع من لحيته ما فضل عن قبضته، فهو يؤدي زكاة ماله. والشيب في اللحية وقار وهيبة.
والخضاب: ستر، وإذا كان الخضاب بالحناء، دل على تمسكه بالسنة. فإن رأى كأنّه خضب رأسه دون لحيته، فإنّه يحفظ سر رئيسه. فإن رأى كأنّ خضبهما جميعاً، فإنّه يجتهد في إخفاء فقره، ويطلب القدر عند الناس. وإن قبل الشعر الخضاب، فإنّلى يرجع جاهه ولا يبقى كثيراً، ويتجمل بالقناعة ثم ينكسف. فإن رأى كأنّه يخضب بطين أو جص، فإنّه يطلب محالاً ويشتهر أمره. ولحية المرأة تدل على أنّها لا تلد أبداً، وقيل تدل على مرضها، وقيل تأويلها زيادة مال زوجها وابنها وشرف ولدها، وقيل إنّها إن كانت متزوجة دلت على غيبة زوجها. وإن رأت ذلك حبلى فإنّها تلد ابناً ويتم أمره.
وقيل من طالت لحيته وكثر شعره طال عمره وزاد ماله.
وقيل إنّ الشيء الذي يكون قبل وقته، يدل على الشر، مثل أن يرى للصبياز الذكور لحية أو بياض في الشعور، وللإناث من الصبيان الصغار عرس أو ولد. كذلك جميع ما يكون في غير وقته ما خلا النطق، فإنّ النطق هو دليل خير، لأنّ الإنسان بالطبيعة حيوان ناطق. فإن رأى غلام لم يبلغ الحلم أنّ له لحية، فإنّه يموت ولا يبلغ الحلم، وذلك أنّه قد سبق الوقت الذي كان ينبغي أن يكون له فيه لحية. فإن لم يكن الغلام بعيداً من وقت نبات اللحية، فذلك دليل على أنّه ينفرد، ويقوم بأمر نفسه. وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأنّ لحيتي طالت ولم يطل سبالاي، فقال: تصيب مالاً يتهنأ به غيرك. والعنقفة عون الرجل الذي يتباهى به ويعيش به في الناس، فما رأى فيها من حدث فتأويله فيما ذكرت.
ومن رأى نصف لحيته محلوقة، فإنّه يفتقر ويذهب جاهه، فإن حلقها شاب مجهول، ذهب جاهه على يد عدو يعرفه، أو سميه أو نظيره. فإن حلقها شيخ، ذهب جاهه بحده المقدور، وإن كان مجهولاً، فإنه يذهب جاهه على يدي رئيس مستغل قاهر، لا يكون له أصل، فإن رأى أنها مقطوعة، فإنّه يقطع من ماله ويذهب من جاهه بقدر ما قطع من لحيته. فإن رأى أنّها حلقت، فهو ذهاب وجهه في عشيرته، ومقدرته من ماله. والحلق أيسر من النتف، وربما كان النتف صلاحاً لبعض أمره إذا لم يشك الوجه، إلا أنّ ذلك الصلاح فيه مشقة عليه.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأنّي قابض على لحية عن وقرضتها حتى استأصلتهها. فقال: إنك تأكل ميراث عمك ولا يكون له وارث غيرك فإن تناولت منها شيئاً ورثت بقدر ذلك. ومن رأى أنّ لحيته بيضاء براقة نال عزاً وجاهاً واسماً وذكراً في البلاد، لأنّ لحية إبراهيم عليه السلام كانت بيضاء. فإن رأى أنها شمطاء، فإنّه يصيب جاهاً ووقاراً. فإنّ رأى أنّه أشد سواداً وأحسن مما كانت في اليقظة، وكانت سوداء في اليقظة، فإنّه يصيب هيبة وعزاً وجاهاً وجمالاً. فإن رأى أنه شابت وبقي من سوادها شيء، فإنّه وقار. فإن لم يبق من سوادها شيء، فإنّه يفتقر ويذهب جاهه. وأتى ابن سيرين رجلِ فقال: رأيت أنّ لحيتي بيضاء، وأنّي أخضبها فلا يعلق بها الخضاب، وكان الرجل شاباَ أسود اللحية، فقال: البياض نقص من ملكك وأنت تريد ستره، وقد علم به. قال: صدقت.
وأما العنْق: فموضع الأمانة، وزيادتها زيادة في الدين وأداء الأمانة، ونقصانها نقصان في أداء الأمانة: فإن رأى كأنّ فى عنقه حيه مطوقة، فإنّه لا يزكي ماله، لقوله تعالى: " سَيُطًوّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ " . فإن رأى كأنّ ودجيه انفجرا دماً، فإنّه يموت. فإن رأى الإمام في عنقه غلظاً، فهو قوته في عدله، وقهره لأعدائه، والغلظ في القفا قوة علىِ ما قلّده الله، وحسن القفا يدل على الفرار والهرب. وشعر القفا يدل على أنّ له مالاً وعليه مال. وحلق القفا أداء الأمانة وقضاء الدين. فإن رأى كأنّ لا شعر عليه، دل على إفلاسه. ورأى رجل كأنّ عنقه لا بطويل ولا بقصير، فقص رؤياه على معبر، فقالط: إن كنت سيئ الخلق حسن خلقك، وإن كنت شجاعاً ازدادت شجاعتك، وإن كنت رديء الطبع كرمت.
وأما العاتق: فصديق أو شريك أو أجير وكتفه امرأة، ومنكبه زينته وجماله وطيشه، فما رأى بهما من حال أو حدث، فهو بهؤلاء. وقيل إذا كانت العواتق غلاظاً حسنة اللحم، دل على رجولة وقوة في الأعمال، ويدل في المحبوسين على طول اللبث في الحبس، حتى يمكنهم أن يحملوا ثقل قيودهم. فإن رأى كأنّ في عاتقيه عله، فإنّه يدل على مرض الإخوة أو موتهم، لأنّ العاتقين إخوان. ورأى رجل كأنّه يريد أن يرى أحد كتفيه فلا يقدر على ذلك، فعرض له أنه انعور، ذلك بالواجب، لأنّه لم يقدر أن يرى الكتف في جانب العين العوراء.
وأما اليد اليمنى فسبب لمعاش الرجل وماله وإحسانه، وطول اليد في التأويل للوالي ظفر، وللتاجر ربح، وللسوقي حذق. وقيل إنّ طول يدي الإمام وقوتهما يدل على قوة أعوانه وزيادة عمره، ورؤيته عظمهما زيادة في ماله. فإن رأى كأنّهما تحولتا رخاماً، طال عمره في سرور. وقيل صحة اليدين في التأويل وحسنهما يدل على حسن الأخذ والإعطاء، وقيل اليمنى تدل على الأقرباء من الرجال، واليسرى تذل على النساء منهما، فإن رأى كأنّه فقد إحدى يديه، فإنّ ذلك يدل على فقد بعض أقربائه بغيبة أو موت. فإن رأى كأنّه أدخل يده تحت إبطه فأخرجها ولها نور، فإنّه ينال علماً إن كان من أهله، أو ربحاً إن كان تاجراً. وإن خرجت ولها نار. فإنّه ينال قوة وغلبة وعزاً في أمره الذي يتعاطاه وإن أخرجها ولها ماء، فإنّه مال.
وأما اليد الزائدة: مع اليدين، فإنّها زيادة دولة وقوة، وتدل على ولد أو قدوم غائب، أو يولد له أخ. فإن رأى كأنّه أعسر، فإنّه يعسر عليه أمره. فإن رأى أنّه يعمل بيده اليسيرى على جهد منه، نال حاجته أخيراً. وبسط اليدين يدل على السخاء، فإن رأى كأنه يمشي على يديه فإنه يعتمد في أمره على بعض أقربائه، فإن رأى كأنه يبصر بيديه كما يبصر بعينيه، فإنّه يكثر ملامسة من يحرم عليه. ومن رأى كأنّ يده اليمنى كلمته كلاماً حسناً، فإنّ معيشته تحسن. فإن رأى كأن الشمال كلمته بالخير، شكرته أقاربه، وإن كلمتاه أو إحداهما بالتوبيخ، دل ذلك على سوء فعله.فإن رأى كأنّ يمينه من ذهب، مات شريكه أو امرأته. ومن ريئت يده تحولت يد سلطانه فإنّه ينال سلطاناً، وجري على يديه ما جري على يد ذلك السلطان، من عدل أو جور. فإن رأى كأنّ له جناحين، ولد له ابنان.
وأما العضد: فإنّه أخ، فمن رأى في عضده زيادة، فهي صلاح أمر أخيه أو ابنه البالغ. ومن رأى في عضده نقصاناً، فهو مصيبة فيهما بقدر النقصان والزيادة. ورأى إنسان كأنّه نقص العضد، فقص رؤياه على معبر، فقال: تصير قليل العقل كثير الزهو.
وأما الساعدان: في التأويل، فقريبان أو صديقان مثل الأخ والولد البالغ، ينتفع منهم ويعتمد عليهم. فإن رأى رجل امرأة حاسرة الذراعين، فإنّها الدنيا، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج. والذراع إذا ألمت، فإنّها تدل على حزن، وبطلان الأشياء التي تعمل باليد، وعلى عدم الخدم. والشعر على الذراعين دين.
وانبساط الكف: سعة الدنيا، وانقباضها ضيق الدنيا، والشعر على الكف دين وحزن. وقيل: هو مال ينبو عن يده. والشعر على ظاهره الكف، ذهاب مال.
وأما الأصابع: فولد الأخ، على القول الذي قيل أنّ اليد أخ. وتشبيكها من غير عمل بها ضيق اليد. والاشتغال بشغل أهل البيت، وبني الأخوة، بأمر قد حزَّبهم يخافون منه على أنفسهم، وقد تظاهروا في دفعه وكفايته.
وقيل أصابع اليد اليمنى، هي الصلوات الخمس، والإبهام صلاة الفجر، والسبابة صلاة الظهر، والوسطى صلاة العصر، والبنصر صلاة المغرب، والخنصر صلاة العتمة، وقصرها يدل على التقصير والكسل فيها، وطولها يدل على محافظته على الصلوات، وسقوط واحدة منها، يدل على ترك تلك الصلاة. ومن رأى إحدى الأصابع موضع الأخرى، فإنّه يصلي تلك الصلاة في وقت الأخرى. فإن رأى كأنه عض بنان إنسان، دل على سوء أدب المعضوض، ومبالغة العاض في تأديبه. فإن رأى كأنّه يخرج من إبهامه اللبن، ومن سبابته الدم، وهو يشرب منهما يباشر أم امرأته أو أختها. وفرقعة الأصابع تدل على كلام قبيح بين أقربائه. فإن رأى الإمام زيادة في أصابعه، كان ذلك زيادة في طمعه وجوره وقلة إنصافه.
وحكي أنّ هارون الرشيد رأى ملك الموت عليه السلام، قد مثل له، فقال له: يا ملك الموت كم بقي من عمري؟ فأشار إليه بخمس أصابع كفه مبسوطة، فانتبه مذعوراً باكياً من رؤياه، وقصها على حجام موصوف بالتعبير، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أخبرك أنّ خمسة أشياء علمها عند اللهّ، تجمعها هذه الآية: " إنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ " الآية. فضحك هارون وفرح بذلك.
وأصابع اليد اليسرى أولاد الأخ والأخت، والأظافير مقدرة الرجل في دنياه، وبيض الأظفار يدل على سرعة الحفظ والفهم، ورؤية الأظفار في مقدارها صلاح الدين والدنيا. والمعالجة بها دليل الاحتيال في جمع الدنيا، وطولها مع حسنها مال وكسوة، وإعداد سلاح لعدو، أو حجة أو مال، يتقي بذلك شرهم. وطولها بحيث يخاف انكسارها، دليل على تولي غيره إفساد أمر بيده، لإفراطه في استعمال مقدرته. فإنّه يخرج زكاة الفطر فإن رأى كأنّ شيخاً أمره بقلمها، فإن وجده يأمره بالقيام بتعهد نفسه وصيانة جاهه.
وخضاب أصابع الرجل بالحناء، دليل على كثرة التسليح، وخضاب أصابع المرأة بالحناء يدل على إحسان زوجها إليها. فإن رأى كأنّه خضبتها فلمٍ تقبل الخضاب فإن زوجها لا يظهر حبها. فإن رأى الرجل كفه مخضوبة خضاباً وحشاً، نال كداً في معاشه، فإن كانت يده اليمنى مخضوبة خضاباً وحشاً، دلت رؤياه على أنّه يقتل رجلاً. فإن رأى كأنّ يديه مخضوبتان بالحناء، فإنّه يظهر ما في يده من خير أو شر، أو من ماله أو من مكسبه أو صناعته. فإن رأى يديه منقوشتين بالحناء، فإنّه يحتال حيلة من البيت، ليصرف بعض أثاث البيت في نفقته لقلة كسبه، ويشمت به عدوه، ويناله ذل. فإن رأت امرأة يدها منقوشة، فإنه تحتال لزينتها في أمر هو حق. فإن كان النقش بالطين، دل على كثرة تسبيحها. فإن رأت نقش يديها قد اختلط بعضه ببعض، أُصيبت بأولادها. فإن رأت كأن يدها مخضوبة بالذهب أو منقوشة به، فإنها تدفع مالها إلى زوجها أو يصيبها منه فرح، فإن رأى رجل أنّه مخضوب أو منقوش بالذهب، فإنّه يحتال حيلة يذهب فيها ماله أومعيشته.
وأما شعر الإبط: فإنّ طوله دليل على نيل الحاجة، لقوله تعالى: " واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بيضاء مِنْ غَيْرِ سوء " ويدل على دين صاحبه وكرمه. فإن رأى شعر إبطه كثيراً، فإنه رجل يطلب بجلادته جمع المال في العلم والولاية والتجارة وغيرها، ولا يرجع إلى المرأة والدين. فإن كان فيه قل كثير دل على كثرة العيال.
وأما الظهر: فظهر الرجل وسنده وقيمته وملتجؤه الذي يستظهر به، وموضع قوته. فإن رأى أنّ ظهره منحن، أصابته نائبة، وقيل هو دليل الشيب. ورؤية ظهر الصديق، إعراضه وهجرانه. ورؤية ظهر العدو، الأمن من شره. ورؤية ظهر العجوز، إدباره الدنيا وزوالها. ورؤية ظهر الشابة، تأخير نيل المراد قليلاً. ورؤية ظهر المرأة النصف، دليل على طلب أمر قد تعسر عنه، وتولى عنه ذلك الأمر.
والصلب: موضِع الرزانة، وموضع الولد والقوة، فمن رأى صلبه قوياً، رزق عقلاً وقيل ولداً قوياً، وقيل الصلب رجل شديد يعتمد عليه، وطول القد بالمقدار محمود، وفوق الحد دليل على قرب الأجل، وذهاب الحياة، وكذلك قصره دليل على قصر العمر والجاه. والسمن والقوة في البدن قوة الدين والإيمان فإن رأى كأنّ جسده جسد حية، فإنّه يظهر ما يكتم من العداوة. فإن رأى كأنّ له إلية كإلية الكبش، فإن له ولداً مرزوقاً يعيش بعده. ومن رأى أن جسده من حديد أو من حجارة، فإنّه يموت. فإن رأى زيادة في جسده من غير مضرة، فهو زيادة في النعمة عليه، وجاء رجل خاملِ الذكر، قليل المال إلى معبر فقال: رأيت كأنّ جسدي ازداد وتضاعف، وكان لي نوراً وبهاء، وكأني تزهدت، وأنا أسيح في الجبال والمفاوز. فقال المعبر: ستكون أهلاً لذلك، وتصيب ملكاً وتصير ذا مال وعز. فلم يلبث أن خرج مع الغزاة، وكان شجاعاً، فهزم المشركين ونال مالاً وغنائم.
وأما شعر الجسد: فنباته للرجل حمل امرأته. وكثرة شعر الجسد للمكروب زيادة كربه، وتساقطه ذهاب كربه. وكثرة شعر الجسد للمسرور، زيادة سرور وغنى، وسقوطه ذهاب غناه. وزيادة شعر البدن للغني مال، وللفقير دين يجتمع. ومن تنور وكان غنياً، فإنّه يذهب ماله بالإستلاب. وإن كان فقيراً، فإنّه يقضي دينه بالجد والتعب والمطالبة. فإن رأى شعر جسده أبيض، فإنّه إن كان غنياً نالت خسراناً في ماله، وأشرف على الفناء. وإن كان فقيراً فإنّه دين يمكنه قضاؤه. وأما استحالة شعر جسده شعر بهيمة أو سبع، فتدل على وقوعه في الشدائد.
ضيق الصدر ضلال. فإن رأى ذمي أنّ صدره ضيق، نال خسراناً في ماله. وقيل إنّ سعة صدر الإنسان سخاوة، وضيقه بخله. وكثرة الشعر على الصدر دين يركبه، فإن رأى كأنّ صدره تحول حجراً فإنّه يكون قاسي القلب. جاء ابن سيرين رجل فقال: رأيت شعراً كثيراً نبت في صدري، وأنا أعقده. فقال: عقدت أمانة فأديتها. وسعة الصدر أيضاً تدل على العلم. وأما الثدي، فامرأة الرجل وابنته، فجماله جمالها، وفساده فسادها. فمن رأى امرأة معلقة بثديها، فإنّها تزني وتلد ولداً من الزناء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري بي رأيت امرأة معلقة بثديها، فقلت يا جبريل من هذه؟ فقال إنها ولدت من الزناء.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ لي ثدياً عظيماً قد بلغ الغابة،، إنك تزني بمحرمٍ. وذلك لأنّ الثدي منه ومن جلده، وذلك محرم. وإنما يكون بر هذه الرؤيا نكاحا حراماً.
وقيل إن رأى رجل في ثدييه لبناً، فإن كان عزباً فإنّه يتزوج ويولد له، وإن كان براً دل على يساره، وإن كان شاباً دلت على طوله عمره. وأما المرأة الشابة إذا رأت ذلك دل على حملها وولادتها، وأما العجوز فإذا رأته دل على فقرها وذهاب مالها، لعذارء إذا رأته دل على عرسها، والصغيرة إذا رأته دل على موتها. وطول ثدي الرجل حتى يضربا صدره، دليل على هوى في غير رضا الله تعالى، وقيل هو دليل على صوت للأولاد. فإن لم يكن له ولد، دل على الفقر والحزن. وطوله ثدي المرأة فوق الحد، دليل على غاية الحزن. فإنّ النساء إذا أصابهن حزن جذبن أثداءهن وخدشنها. ومن رأى كأنّه يرتضع امرأة، فإنّه يمرض، إلا أن تكون امرأته حبلى، فإنّها تلد ابناً. وإن كان صاحب الرؤيا امرأة، فإنها تلد بنتاً.
والبطن: من ظاهر ومن باطن مالك الرجل وولده، أو قرابة من عشيرته، أو خزانته ومأوى عياله. وصغره قلة هؤلاء، وكبره كثرة هؤلاء. وصغره من غير جوع قلة المال، فإن رأى أنّه جائع، فإنّه يكون حريصاً، ويصيب مالاً بقدر مبلغ الجوع منه.
وقيل إن عظمٍ البطن أكل الربا، والمشي على البطن اعتياد على المال. فإن رأى أنّ بطنه صار صغيراً، فإنّه يكون كثير الأمتعة. والشبع ملاله من المال، والعطش سوء حال في دينه، والري صلاح في دينه.
والقلب: شجاعة الرجل، وسماحته وجراءته وجلادته وجوده وسخاؤه وغلظته وصلاحه وفساده راجع إلى البدن، لأنّه ملك البدن، والقائم بتدبيره. وخروج القلب من البطن، حسن الدين والإخلاص، والتفريغ عنه هو الاهتداء إلى الحق وقيل القلب يدل علىِ امرأة صاحب الرؤيا، فإنها هي المدبرة لأموره، فإن رأى كأن قلبه تقطع فإن كان عليلاً برىء وشفي وفرج عن كربه.
والكبد: موضع الغضب والرحمة، وقيل الكبد تدل على الأولاد والحياة، وخروج الكبد من البطن ظهور مال مدفون. فإن رأى أنّه يأكل كبد إنسان أو أصابها، فإنّه يصيب مالاً مدفوناً ويأكله. فإن كانت أكباداً كثيرة مطبوخة ومشوية ونيئة، فهي كنوز تفتح له ويصيبها. وأكباد البهائم والآدميين سواء. وأكل كبد الإنسان المعروف أكل ماله، فإن نظر في كبده فرأى وجهه فيها كما يفعل بالمرآة فإنّه يموت.
وقوة الطحال: فرج، فإنّه قوام البدن، ومن رأى كأنّ إنساناً قطع مرارة إنسان بأسنانه فمات فيه، فإنّ القاطع يحقد عليه حقداً عظيماً يهلكه فيه. فإن خرج دمه وشر القاطع، فإنّه يحلل ماله على نفسه لجهله وشره.
وأما صلاح الرئة فهو طول العمر، وفسادها قصر العمر، لأنّها موضع الروح.
والكليتان: موضع الغنى والصواب والبيان والخطأ، فإن راهما شحيمتين، فإنه رجل غني صاحب نطق وصواب. وهزالهما فقر، وخطأ رأيه. وقيل الكلى القرابات وصلاحهما وفسادهما يرجعان إلى ذلك.
وظهور الأمعاء أو شيء مما في جوفه، ظهور ماله المدخور، أو يظهر من أهل بيته أحد يسود، أو هو بنفسه. وأكل الرجل أمعاء نفسه، دليل على أنّه يأكل مال نفسه. وكذلك لو رأى أنّه يأكل أمعاء غيره، أو شيئاً مما في جوف غيره، فهو يصيب من ذلك مالاً مدخوراً ويأكله. وقيل إنّ خروج الأمعاء يدل على أن ابنته تخطب، ومن رأى كأن امعاء بطنه أو سائر ما في بطنه خرج فغسل بطنه وأعيدت إليه أو لم تعد، فهو موته في رضا الله تعالى. فإن خرج شيء من جوفه، فإنّ عنده وصية لرجل، وبنتاً لصاحب الوصية وهو على تزويجها. وقيل إن خرج ما في البطن، دل على هتك الستر.
فإن رأى كأنّ ملكاً شق بطون رعيته، فإنّهم تفتش بطونهم، فإن أخذ ما في بطونهم، أخذ أموالهم. فمن رأى كأنّه يشق بطنه واحشاؤه في موضعها المعروف فإن ذلك محمود لمن لاولد له، وللفقير، لأنّها تدل على أنّ من لا ولد له يولد له وتدل للفقراء أن يستغنوا. لأنّ الأولاد بمنزلة الأحشاء. وقياس الأحشاء في البطن كقياس متاع المنزل في المنزل. وإذا رأى إنسان كأنّ غيره يكشف عن أحشائه ويظهرها، فإن ذلك أمر رديء، يدل على أنّهم يصيرون إلى الخصومات، وتكشف أمور مستورة من أمورهم، فإن رأى الإنسان أنّ جوفه انشق وهو فارغ ليس فيه شيء، فإنّ ذلك يدل علم خراب منزله ووحشته وهلاك أولاده. وفي المريض على أنّه يموت.
وأما السرة: فامرأة الرجل وحبيبته من جواريه وهمته. فما رأى بسرته من قبح الحال أو جمال أو سوء حال، فهو فيهن. وقيل من كان له والدان فرأى سرته عليلة فإنّ ذلك يدل على علة الوالدين، ومن لم يكن له والدان، فإنّ ذلك يدل على أوطانه التي ولدوا فيها. وأما من كان في غربة، فإنّه يدل على رجوعه.
وأما المراق: وما يلي السرة، فإنّ أعلاه وأسفله يدل على قوة البدن وعلم الملك. فمتى كان في شيء من أجزائه وجع، فإنّ ذلك مرض صاحب الرؤيا وفقره.
وأما الضلع: فهو المرأة، لأنّها خلقت منها فما حدث فيها فهو في النساء.
وأما العورة: فظهورها هتك الستر، وشماتة الأعداء، وهي ما بين السرة والركبة.فمن رأى أنّه أبداها أو كشفت عنها ثيابه أو بعضها، فإنّه يظهر منه بقدر ما بدا منها. وإذا كان عليه من الثياب شيء قليل قدر ما يسترها خاصة، فإنّه قد تجرد في أمر أمعن فيه. فإن كان ذلك الأمر يدل على دين، فهو يبلغ في الدين والصلاح مبلغاً يتجرد فيه. وإن كان ذلك في معصية، فإنّه يبلغ في معصيته مبلغاً يمعن فيها. فمن لم يعرف في منامه تجرده في دين ولا معصية، وكان الموضع الذي تجرد فيه مثل السوق أو وسط الملأ، والعورة بارزة يراها بعينه، كأنّه مستحي منها، وعليه بعض ثيابه، ولم ير مع ذلك شيئاً يدل على أعمال البر، فإنّه يهتك ستره، ولا خير فيه. وإن كان تجرده على ما وصفت، ولم ير العورة بارزة، ولم يصر على الاستحياء منها، ولم يكن عليه من ثيابه شيء، فإنّه يسلم من أمر هوِ به مكروب، إن كان مريضاً شفاه الله، وإن كان مديوناً قضى دينه، وإن كان خائفاً أمن، وإن لم يكن عليه من الثياب شيء، فهو يسقط من رجاء من كان يرجوه، أو يعزل من سلطان هو فيه، أو ينتقض عليه أمر هو مستمسك به.
وكل ذلك إذا كانت عورته بارزة ظاهرة، وهو كالمستحي منها. فإن لم تكن العورة ظاهرة، ولا هو مستحي منها، فإنّ تحويل حالته التي وصفت، يدل على حال السلامة، ولا يشمت به عدو إن شاء الله.
والتجرد: مع الاشتغال بعمل، دليل على تجلده فيه وظفره بمراده. فمن رأى كأنّه عريان متجرد من ثوبه، فإن له أعداء في الموضع الذي رأى فيه، وهو يغلبهم. فإن لم تكن عورته مكشوفة، فإنّه لا يغلبهم. فإن غطى عورته بشيء أو بيده، فإنّه ينقاد لهم ويهرب منهم. فإن رأى على وسطه مئزراً فقط، فإنّه يجتهد في العبادة. وإن رأى نفسه متجرداً في طلب شيء، نال ذلك الشيء بقدر تجرده وأما العري إذا لم يكن معه اشتغال بعمل، فهو محنة وترك طاعة وهتك ستر.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ رجلاً قائماً وسط المسجد يعني مسجد البصرة، متجرداً، بيده سيف يضرب به صخرة فيفلقها، فقال له ابن سيرين: ينبغي أن يكون هذا الرجل الحسن البصري. فقال الرجل: هو و الله هو. فقال ابن سيرين: قد علمت أنّه الذي تجرد في الدين، يعني لموضع المسجد وإنّ سيفه الذي كان يضرب به لسانه الذي يفلق بكلامه الحجر بالحق في الدين.
وأما الذكر: فإنّه ذكر الرجل في الناس وشرفه أو ولده. والزيادة والنقصان فيه في ذلك. وقيل أنّه إذا رآه طال فوق المقدار، نال هماً. فإن رأى له ذكرين أصاب ولداً مع ولده، وذكراً في الناس مع ذكره، وشرفه، فإن كان قلعه بيده أو قلع بعضه، ثم أعاده إلى مكانه، مات له ابن واستفاد بدله، وذهب ماله ثم رجع إليه. وانقطاعه حتى يبين منه، دليل على موته أو موت ولده، لأنّ ذكره ينقطع بموته. وقيامه قوة الجد، وحركته نشاطه، وسعة دنياه. وربما كان انقطاع ذكره وانقطاع اسمه وذكره من ذلك البلد أو المحلة. وذلك مع انقطاع ما يدل على السلامة والخير، ولا يكون معه ما يدل على موت.
والذكر إذا نقص أو زاد أو عظم أو صغر، بعد أن يكون له طرف واحد، فإنّ عامة تأويله في الولد والنسل. وإذا تشعب فكانت له شعب كثيرة أو قليلة، فإن عامة تأويله في شرفه وذكره في الناس، بقدر ذلك، لأنّ شعبه انتشار ذكره. وضعف الذكر، دليل على مرض الولد أو إشرافه على سموط جاهه. فإن رأى كأنّه يمص ذكر إنسان أو حيوان، عاش الماص بذكر صاحب الذكر، واسمه، فإن رأى أنّه خنثى، حسن دينه.
ومن رأى كأن عورته ظاهرة ولم ينظر إليها ولا يستحي منها، ولم يلتفت إليها أحد، فإنّه يسلم من أمر هو فيه مكروب من مرض أو هم أو خوف أو دين. والإمناء دليل على نيل المنى، من دينار إلى مائة ألف على قدر الرجل في الناس، فإن رأى كأنّه قد عقد على ذكره، اشتد عليه عيشه، وتعسر عليه أمره، وسخر بولده. ومن رأى كأنّ ذكره دخل جوفه، دل ذلك على أنّه يكتم شهادة. ومن رأى كأنّه يقبل إحليله، فإن لم يكن له ولد فإنّه يولد له ولد، فإن كان له أولاد هم مسافرون، فإنّهم يرجعون إليه ويقبلهم. ورأت امرأة كأنّ الشعر على إحليل ابنها، فقصتها على معبر، فقال لها: قد فني عمره. فما لبث إلا قليلاً حتى مات. ورأى آخر كأنّ على إحليله شعراً كثيراً إلى طرفه، فقص رؤياه على معبر فقال: يدل على فجورك. وانهماكك في الفساد. ورأي آخر كأنّه أطعم إحليله طعاماً، فعرض له أنّه مات ميتة سوء، لأنّ الطعام ينبغي أن يقدا إلى الفم، كأنه لم يكن له وجه ولا فم.
وفرج المرأة: فَرجٌ، فإن رأت كأنّ الماء دخل فرجها، رزقت ابناً. ورؤية فرجع من حديد أو صفر يدل على الأياس من نيل المراد. ومن رأى أنّه يعالج فرج امرأة بدون الذكر، فإنّه ينال فرجاً من قبلها فيه نقص وضعف. ومن رأى أنّه عض فرج امرأة مجهولة، فإنّه يأتيه فرج في أمر دنياه. فإن رأى فرج جارية يأتيه خير وفرج. فإن رأى أنّه مس فرج امرأته وكان مصمتاً من صفر، فإنه يطلب منها فرجاً وييأس منها. فإن رأى فرجها من خلفها، فإنّه يرجو خيراً ومودة تصير إلى عدوه. فإن كان الفرج صغيراً غلب عدوه، وإن كان كبيرِاً غلبه عدوه. ومن رأى أنّ ذكره استحال فرجاً، عجز بعد القوة. إن رأى لامرأته ذكراً كذكر الرجل، فإن كان لها ولد أو في بطنها، فإنّه يبلغ ويسود أهل جته. وإن لم يكن لها ولد ولا في بطنها ولد، فإنّه لا تلد ولداً أبداً. وإن ولدت مات الولد قبل بلوغه. وربما انصرف التأويل، في ذلك عنها إلى قيمها أو مالكها. فيكون له ذكر في الناس وشرف بقدر الذكر.
فإن رأى للرجل سوأة كسوأة المرأة، فإنّه يصيبه ذل وخضوع. فإن رأى أنه ينكح في ذلك الفرج، فإنّ الفاعل به يظفر بحاجته منه أو من سميه، إن لم يكن لذلك موضعاً. وقيل أنّ استحالة فرج المرأة ذكراً، دليل علىِ بذاءة لسانها وتسلطها على زوجها بالكلام. ومن رأى أنّه يمتص فرج امرأة، نال فرجاً ضعيفاً قليلاً. ومن نظر إلى فرج امرأة أو غيرها نظر شهوة أو مسه، فإنه يتجر تجارة مكروهة.
والخصيتان: عري الأعداء التي يصلون بها إليه، فإن رأى خصيتيه قطعتا من غير أن ينتنا أو ينالهما مكروه، فإنّ أعداءه يظفرون بقدر ما نيل من خصيتيه، ولو رأى أنّ خصيتيه عظمتا أو لهما قوة فوق قدرهما، فإنه يكون منيعاً لا يصل إليه أعداؤه بسوء. وربما كان انقطاعهما انقطاع الإناث من الولد، إذا كان في الرؤيا ما يدل على الخير. لأنّ الخصيتين هما الأنثيين، والبيضة اليسرى يكون الولد منها، فإن رأى أنّها انتزعت منه مات ولده، ولم يولد له من بعده. فإن رأى أنّه وهبها لغيره بطيبة نفس منه، وبانت منه، فإنّه يولد له ولد لغير رشد وينسب الولد إلى غيره. فإن رأى أنّ خصيتيه في يد رجل معروف، فإنّ ذلك الرجل يظفر به. فإن كان الرجل شاباً فهو عدوه، ومن رأى أنّه آدر، فإنّه يصيب مالاً لا يؤمن عليه أعداؤه. ورأى رجل كأنّ له عشرة ذكور وليست له خصية، فقص رؤياه على معبر فقال له: يولد لك عشر بنين، ولا يولد لك أنثى.
وأما العانة: فنقصانها صالح في السنة، وزيادتها مال وسلطان يناله من جهة رجل أعجمي. فإن رأى كأنّه نظر إلى عانته فلم ير عليها شعراً كأنّه لم ينبت قط، دل على حجر عليه في المال أوخسران يقع له. فإن كان عليه شعركثير حتى تسحبه في الأرض، فإنّه ينال مالاً كثيراً مع فساد دين، وتضييع سنين ومروءة.
والعجز: هو مال امرأة، فإن كان كبيراً لامرأته مالاً كثيراً. وإن رأى عجز نفسه كبيراً، فإنّه يسود بمال امرأته، ويصيب من ذلك خيراً. ومن رأى رجلاً كشف له عن نفسه ورأى عجزه، فإنّه يطعمه دسماً ومنفعة، ثم يشرف علىِ أدبار فيها. فإن رأى دبره فإنّه يناله منه أدبار، إن كان شاباً. وإن كان شيخاً معروفاً، فإنه يوقعه هو بعينه في أدبار، وإن كان مجهولاً فإنّه ينال ادباراً من حيث لا يشعر. فإن كشف عنه رجل حتى أظهر عجزه، فإنه يفضحه في أهله. فإن رأى امرأةً كشف عن عجزها حتى رأى دبرها، فإنّ الأمر الذي ينسب إلى ذلك يشرف على الأدبار ويلحقه دين من تجارة أو ولاية. ومن نكح امرأة في دبرها، فإنّه يطلب أمراً من غير وجهه ولا ينتفع به، لأنّ النكاح في الدبر ليس له ثمر. ومن رأى أنّه يسحب على عجزه أو دبره، فإنّه يضطر.
وأما الفخذ: فعشيرة الرجل، فإن رأى أنّ فخذه قطعت وبانت، فإنّه يتغرب عن قومه وعشيرته، حتى يكون موته في الغربة، لأنّ الفخذ إذا قطعت وبانت لا ينجبر صاحبها ولا يلتئم، فلذلك لا يرجع إلى قومه أبداً. فمن رأى كأنّ فخذيه نحاساً فإنّ عشيرته تكون جريئة على المعاصي.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت فخذي حمراء وعليها شعر نابت، وأمرت رجلاً فقص ذلك الشعر. فقال: أنت رجل عليك دين يؤدّيه عنك رجل من قرابتك.
والعصب: سيد قومه والمؤلف بين القرابات. والعروق أهل بيته مما ينسب إلى ذلك العضو، وجمالها جمالهم، وفسادها فسادهم، فإن رأى أنّه فصد عرقاً بالعرض، فهو موت قريب من أقربائه بمنزلة ذاك العرق. وربما كان هو نفسه المنقطع عن اقربائه بموت، إذا كانت الرؤيا في تأويلها ما يدلي على مكروه أو معصيه. وإن كان ذلك في مكروه التأويل، فهو فراق ما بينه وبينهم. وربما كان فراق بغير موت.
والركبة: كد الرجل ونصبه في معاشه ومطلبه، فإن رأى بها حدثاً، فإنّه تنسب إليه الركبة. وقوة جلدها قوة معيشته، وانسلاخ جلدها زيادة كد وتعب. وغلظ جلدها أو ظهورها الورم فيها إصابة مال من تعب. وقيل أنّ المريض إذا رأى في ركبته الماء أو علة، دل على موته. وقيل أنّ الركبتين ينبغي أن يجعل تأويلهما على قوة البدن وحركته وجودة عمله. ولهذا السبب متى كانتا صحيحتين قويتين، فإن ذلك دليل على سفر أو حركة أخرى، وعلى أعمال يعملها صاحب الرؤيا على صحة البدن. وإن رأى فيهما علة أو ألماً، فإنّ ذلك يدل على ثقل الركبتين في الأعمال.
والرجل: قوام الرجل وماله ومعيشته التي عليها اعتماده، وربما كانت الساق عمر صاحبها. فإن رأى أنّ ساقه من حديد، طال عمره وبقي ماله. وإن رأى أنّ ساقه من قوارير، لم يلبث أن يموت ويذهب ماله، وقوامه، لأنّ القوارير لا بقاء لها. فإن رأى. رجله قطعت، ذهب نصف ماله. فإن قطعتا جميعاً ذهب ماله وقواه، أو مات كل ما بانت منه. وقيل الرجلان الأبوان، والمشي حافياً يدل على التعب والمشقة، وقيلِ من رأى له أرجلاً كثيرة، فإن كان مسافراً سهل عليه سفره، ونال خيراً. وإن كان فقيراً نال ثروة، وإن كان غنياً مرض. ورؤية الرجلين مخضوبتين منقوشتين، للرجل موت الأهل، والمرأة موت بعلها. ومن رأى كأنّه رفع ساقاً ومد ساقاً فالتفت إحدى ساقيه بالأخرى، فإنّه قرب أجله، ويلقاه أمر صعب. ويدل على أنّ صاحب الرؤيا كذاب. ورؤية الرجل ساق امرأة دليل على التزوج. وكشف المرأة عن ساقها حسن دينها وإصابتها أمراً خيراً مما كانت فيه.
والكعب: ولد مقامر، وقيل انكسار الكعب موت أو غم. وانكسار عقب سعي في أمر يورث الندم.
والقدم: زينة الرجل وماله، وأصابعها جواريه وغلمانه، فإن رأى بعض أصابعه صعد إلى السماء، مات بعض غلمانه أو جواريه.
والشعر على القدمين: دين غالب. ومن رأى كأنّ رجليه صعدتا إلى السماء وبانا منه، مات ولداه. فإن رأى أنّه يزني برجله، فإنه يمشي خلف النساء حراماً. ومن رأى له أرجلاً كثيرة، فقيل أنّه للغني مرض لأنّه يحتاج إلى أرجل كثيرة تنوب عنه، وربما دلت على ذهاب البصر حتى احتاجوا إلى من يقودهم. ودلت في الشرار على الحبس حتى يكون عليهم حفظة، فلا يمشون منفردين. ورأى رجل كأنّ إحدى رجليه صارت حجراً، فجفت تلك الرجل بعينها. ورأى رجل كأنه يركل الملك برجله، فأصاب وهو يمشي ديناراً وعليه صورة الملك. وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ على ساقي رجل شعراً كثيراً، فقال: يركبه دين ويموت في السجن. فقال لك رأيتها. فاسترجع ابن سيرين، ثم إنّه مات في السجن وعليه أربعون ألف درهم، فقضاها عنه بعد موته، ورأى رجل كأنه معوق الساق، فعبرها له معبر فقال: إنك تصير زانياً. فأخذ بعد ذلك مع امرأة. وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأنّ اصبع رجلي على جمر، فإذا وضعته عليه طفىء، وإذا رفعتها عنه عاد كما كان، فقال: هذا صاحب هوى، فقال: ليس هو صاحب هوى ولكنه يتكلم في القدر. فقال: وأي شيء هو أشد من القدر؟. ورأت امرأة كأنّ إبهام رجلها قطعت، فقصت رؤياها على ابن سيرين فقال: تصلين قوماً قطعتيهم.
وأصابع القدمين: زينة مال صاحبها، وأعمال البر، وعظام ماله الذي به اعتماده ومعيشته.
  
الباب الثالث والعشرون
من كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين
في تأويل الأشياء الخارجة من الانسان وسائر الحيوان
من المياه والألبان والدماء وما يتصل بذلك من الأصوات والصفات
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " من رأى أنه يشرب لبناً فهو الفطرة " . قال الأستاذ أبو سعد: رؤية اللبن في الثديين للرجال والنساء مال، ودر اللبن منها سعة المال فإن رأت امرأة لا لبن لها في اليقظة، أنها ترضع صبياً أو رجلاً أو امرأة معروفين،فإن أبواب الدنيا تنغلق عليها وعليهم. وقال بعضهم من رأى كأنّه ارتضع امرأة، نال مالاً وربحاً. ومن رأى كأنّه شرب لبن فرس أو رمكة أحبه السلطان ونال منه خيراً.وألبان الأنعام مال حلال من السلطان. فإن رأى كأنّه انصبّ عليه لبن إنسان، دل على ضيق وحبس. وكذلك المرضع والراضع، أيهما كان معروفاً، فإنّ حاله في الحبس والضيق أشد من المجهول، والحلب تأويله المكر. وحلب الناقة عمالة على أرض البختية عمالة على أرض العجم، تعمل على سنة وفطرة. فإن حلبها فخرج دماً، فإنه يجور في سلطانه، فإن حلبها سماً، فإنّه يجبي مالاً حراماً. فإن حلبها تاجر لبناً، أصاب رزقاً حلالاً وربحاً في تجارته، ودرت عليه الدنيا بقدر ما در عليه الضرع، ولبن اللقحة فطرة في الدين. فمن شرب منه أو ** مصة أو مصتين أو ثلاثة، فإنه على الفطرة يصلي ويصوم ويزكي، وهو لشاربه مال حلال وعلم وحكمة، وقيل: من حلب ناقة وشرب لبنها، دل على أنّه يتزوج أمرأة صالحة، وإن كان الرائي مستوراً، ولد له غلام فيه بركة. ولبنِ البقرة خصب السنة، ومال حلال، وإصابة الفطرة. وفي صاحب الرؤيا عبداً عتق، وإن كان فقيراً استغنى.
ولبن الشاة والعنز إصابة مال حلال إن كان حليباً. ولبن الأسد ظفر بعدو وقيل انّه ينال مالاً من جهة سلطان جبار. ولبن الكلب خوف شديد ولبن الذئب مثله وربما دل على إصابة مال من ظالم. ولبن الخنزير تغيير عقل صاحبه وذهنه وقيل إنّ الكثير منه مال حرام، والقليل منه حلال، لقوله تعالى: " فَمَنْ اضْطُرّ غَيْرَباغ ولا عاد فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ " . فقد رخص في القليل، وحرم الكثير.
ولبن النمر إظهار عداوة. ولبن الظبي نذر. ولبن الحمار الأهلي مرض يسير.وألبان الوحش كلها قوة في الدين. ولبن الضأن والجاموس خير وفطرة ولبن الدب ضر وغم عاجل. ولبن الثعلب مرض يسير. ولبن الهرة مرض يسير أو خصومة. ولبن الفرس لمن شربه اسم صالح في الناس. ولبن الأتان إصابة خير وظهور اللبن من الأرض وخروجه منها، دليل على ظهور الجور.
وألبان ما لا ألبان لها، بلوغ المنى، من حيث لا يحتسب. وارتضاع الإنسان من ثدي نفسه، دليل على الخيانة. وألبان النواهش واللواذع صلاح ما بينه وبينِ أعدائه. ومن شرب من لبن حية فإنّه يعمل عملاً يرضي الله. وقيل من شربه نال فرجاً ونجا من البلايا.
والزبد: مال مجموع نافع وغنيمة، وكذلك السمن، إلا أنّ في السمن قوه لسلطان النار التي مسته. واللبن الرائب لا خير فيه. وقيل هو رزق من سفر. والحامض المخيض رزق بعد هم، ووجع، وقيل هو مال حرام ومعاملة قوم مفاليس، لأنّ زبده قد نزع منه، وقيل إنّ شاربه يطلب المعروف ممن لا خير فيه، والشيراز استماع كلام من النسوة. والأنفحة مال مع نسك وورع.
وأما الجبن: فإنّه مال مع راحة، والرطب منه خير من اليابس، ومال حاضر للرائي وخصب السنة. وقيل إن الجبن اليابس سفر، وقيل إن الجبنة الواحدة بدرة من المال. ومن رأى كأنّه يأكل الخبز مع الجبن، فإنّه معاشه بتقدير، وقيل: من أكل الخبز مع الجبن، أصابته علة فجأة. والمصل قيل هو دين غالب لحموضته، وقيل هو مال نام، يقوم قليله مقام كثير من الأموال، يناله بعد كد. والأقط مال عزيز لذيذ.
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى وهونازل بالطائف، كأنّه جيء بقدح من لبن فوضع بين يديه، فانصب القدح. فأولها أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ما أظنك مصيباً من الطائف في عامك هذا شيئاً، فقال: أجل، لم يؤذن لي فيه، ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم.
وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت عساً من لبن جيء به حتى وضع، ثم جيء بعس آخر فوضع فيه. فوسعه، فجعلت أنا وأصحابي نأكل من رغوته، ثم تحول رأس جمل، فجعلنا نأكله بالعسل. فقال: أما اللبن ففطرة، وأما الذي صبه فيه فوسعه، فما دخل في الفطرة من شيء، وأما أكلكم رغوته فيقولن الله تعالى: " فأمَا الزَّبَدُ فَيَذْهب جَفَاء " . وأما البعير فرجل عربي، وليس في الجمل شيء أعظم من رأسه، ورأس العرب أمير المؤمنين، وأنتم تغتابونه وتأكلون من لحمه، وأما العسل، فشيء تزينون به كلامكم. وكان ذلك في زمان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
وأتى ابن سيرين رجل فقالت: رأيت كأنّي ارتضع إحدى ثدييّ، فقال: ما تعمل؟ فقال: أكون مع مولاي في الحانوت، فقال: اتق الله في مال مولاك.
ورأى عدي بن أرطأة لقحة مرت به وهو على باب داره، فعرض عليه لبنها، فلم يقبل. ثم عرض عليه ثانية، فلم يقبل. تم عرض عليه مرة أخرى فقبله فقال سيرين: هي رشوة لم يقبلها، ثم عاد فقبلها وأخذها.
ورأى أمير المؤمنين هارون الرشيد، كأنّه في الحرم يرتضع من أخلاف ظبية. فسأل الكرماني مشافهة عن تأويلها، فقال: يا أمير المؤمنين، الرضاع بعد الفطام حبس في السجن، ومثلك لا يحبس، ولكنك منحبس بحب جارية قد حرمت. فكان كذلك.
وأما الرعاف: فإنّه إن كان كثيراً رقيقاً، دل على إصابة مال دائم. وإن كان غليظاً، دل على سقط يولد له. فإن رأى أنّ أنفه رعف، وكان ضميره أنّ الرب ينفعه، فإنه يصيب من رئيسه خيراً. وإن كان ضميره أنّه يضر به، فإنّه يصيب من رئيسه شراً، ويكون وبالاً عليه، وينال بعده ضرراً. فإن كان هو الرئيس، فإنّه يرى بجسده بقدر ما رأى من القوة والضعف، وكثرة الدم وقلته. فإن رعف قطرة أو قطرتين، فإنه منفعة. فإن رعف رطلاً أو رطلين وكان ضميره أنّه منفعة لبدنه، فإن صحة البدن صحة الدين، فهو يخرج من إثم ويصح دينه. وإن كان في ضميره أنه يضره في بدنه، فإن ضرر البدن ضرر الدين أو اكتساب إثم. فإن ذهبت قوته بعد خروج الدم، فإنّه يفتقر وإن قوي فإنّه يستغني، لأنّ القوة غنى الرجل. فإن تلطخ بدمه ثيابه، فإنّه يصيب من ذلك مالاً مكروهاً وإثماً. فإن لم تلطخ بشيء، فإنّ صاحبه يخرج من إثم. فإن رأى أن الرعاف يقطر في الطريق، فإنّه يؤدي زكاة مال ويتصدق بها على قارعة الطريق. وقيل إن الرعاف إصابة كنز، والعطاس تيقن أمر مشكوك.
وأما الدمع: فالبارد منه فرح، والحار غم، ومن رأى الدمع على وجهه من غير بكاء، فإنّه يطعن في نسبه، وينفذ فيه القول من طاعته. فإن رأى الدموع تمور في عينيه، فإنّه يدخر مالاً حلالاً في أمر الدين، لا يريد إظهاره فإن سال على وجهه، فإنه يطيب قلباً بإنفاقه. فإن رأى أنّ دمع عينه اليمنى دخل في عينه اليسرى نكح ابن بنته، نعوذ بالله من غضب اللهّ.
وأما المخاط: فمن رأى كأنّه امتخط. فإنّه يقضي دينه، أو ينجو من هم، أو أيجازي قوماً بشيء فعلوه. وقيل إنّ المخاط دليل الولد، بدليل أَنّ الهرة تولدت من مخاط الأسد. ومن رأى كأنِّه امتخط على الأرض، ولدت له ابنة. فإن رأى كأنّه امتخط على امرأته، فإنّها تحبل وتسقط ابناً. وإن رأى امرأته امتخطت عليه، فإنّها تلد ابناً أو تفطمٍ ولداً صغيراً، ومن امتخط في دار رجل، نكح امرأة من تلك الدار حلالاً أو حراماً. فإن امتخط في فراش رجل، فإنّه يخون امرأته، فإن امتخط في منديله، خانه في خادمته، فإن رأى كأنّه امتخط، فأخذت امرأة مخاطه، فإنّها تخدعه وتحمل منه. وإن رأى كأنّه يغسل مخاط غيره فإنّ رجلاً يخدع امرأته، وهو يجتهد في ستره، ولا يستر. فإن رأى كأنِّه أكل مخاط نفسه، فإنّه يأكل مال ولده. وإن أكل مخاط غيره، أكل مال ولد غيره. فإن رأى كأنّ في أنفه مخاطاً، دلت رؤياه على حبل امرأته. وإن رأى كأنّه عطس فخرج من أنفه حيوان، ينسب إليه ولد غيره. فإن كان الخارج سنوِراً، فهو ولد لص. وإن كان حمامة فابنة محبوبة. فإن رأى مخاطه يسيل، أصاب أولاداً شبهه، ومن رأى إنساناً مخط في ثوبه، ياصله بمصاهرة.
والتثاؤب: مرض، وطيب النكهة حسن المحضر، والضحك: حزن. لقوله تعالى: " فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً " . وهو أيضاً بشارة بغلام، لقوله تعالى: " فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاها بإسْحَقَ " . والتبسم محمود.
والغطيط في النوم: يدل على غفلة صاحب الرؤيا وانخداعه لمن خدعه. وأما رفع الصوت فارتفاع على قوم في منكر، بدليل قوله تعالى: " واغْضُض مِنْ صوتِكَ " . وإن رأى كأنّه سمع صوتاً طيباً صافياً، فإنّه ينال ولاية. ومن رأى كأنّ إنساناً أسمعه شتماً، نالت منه أذى ثم يظفر به وينتصر عليه، وقيل هو حق يجب للمشتوم على الشاتم، كما أنّ عليه أي المفتري الحد له. وإن كان الشاتم ملكاً، فالمشتوم أحسن حالاً من الشاتم، لأنّه مبغي عليه، والمبغي عليه منصور. ومن رأى كأنّه يصيح وحده، فإنّ قوته تضعف. فإن رفعِ صوته فوق عالم، فإنّه يرتكب معصية لقوله تعالى: " لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْق صَوْتِ النبي " . والعلماء ورثة الأنبياء.
وأما العرق: فهو دال على مضرة في الدنيا، وقيل من رأى كأنّ عرقاً قضيت حاجته. ونتن عرق الإبط، يدل على الرياء للرعية، وللوالي يدر يصيب مالاً في قبح ثناء.
وأما الدعاء: فمن دعا ربه في ظلمة، فإنّه ينجو من غم. فإن رأى أنّه يدعو رجلاً فإنّه يتضرع إليه مخافة منه. وأما الهتف: فمن رأى أنّه سمع صوت هاتف بأمر أو نهي أو بشارة أو نذارة، فهو كما سمعه بلا تفسير. وكذلك كلام الموتى. وكذلك كلام كل الطيور لصاحب الرؤيا مبشر بنيل ملك عظيم، وعلم وفقه. وأما الكلام بلغات شتى، فمن رأى ذلك فإنّه يملك ملكاً عظيماً. وأما المشاورة فكل فاسق شاور عفيفاً، إلى التوبة. وكلِ عفيف شاور فاسقاً، فقد دنا إلى بدعة. وإن شاور عفيفاً أراد صلاحاً، وإن شاور فاسقاً فاسق حصل له ترياق من السموم.
فإن نقى أذنيه من وسخ أو قيح: فإنّه يأتيه أخبار سارة. ومن رأى كأنّه يأكل من وسخ أذنه، فإنّه يأتي الغلمان أو يرتكب فاحشة.
والبصاق: فهو مال الرجل وقدرته. فمن رأى أنّه يبصق، فإنّه يقذف إنساناً. فإن كان مع البصاق دم، فهوكسب من حرام. فإن بصق على حائط فإنّه ينفق ماله في جهاد، أو يشغل ماله في تجارة. فإن بصق على الأرض، اشترى ضيعة أو أرضاً.فإن بصق على شجرة، نكث عهداً أوحنث في يمين. فإن بصق على إنسان، فإنه يقذفه.
والبصاق الحار، دليل طول العمر. وأما البارد فدليل الموت. ومن رأى ريقه جف، فإنّه فقر. ومن رأى اللعاب يجري من فيه، فهومال يناله ثم يذهب منه.ومن رآه يجري ولا يصيب شيئاً من أعضائه، ورأى كأنّ الناس يتناولونه بأيديهم، فهو علم يبثه في الناس، فإن كان معه دم، خالط علمه كذب. فإن رأى أنّه يسيل من فمه ماء كثير، نال سعة من العيش. وخروج الماء من فم التاجر دليل صدقه. فإن خرج اللعاب منه فسال بين يدي رجل شاب، فإنّه يفشي سره إلى عدو. فإن كان يكذب في بعض ما تساره به. والبلغم مال مجموع لا ينمو، فإذا رأى أنّه ألقى بلغماً،نال الفرج والشفاء إن كان مريضاً. فإن رأى أنّه تنخع، فإنّه ينفق نفقة في سره، وإن كان صاحب علم، فإنّه شحيح عليه. وإن خرج من فيه شعر أو خيط أو مدة غير كريهة، طالت حياته. وقيل انّ خروج الماء من فم الإنسان، وعظ من عالم ينتفع به الناس أو فتياً. وإن كان تاجراً كان صدق كلامه.
وأما القيء: فدليل التوبة على طيب نفس منه. وإن تعذر عليه وكره طعمه، كانت على كراهة منه، ومن تقيأ وهو صائمِ ثم انغمس فيه، فإنّ عليه ديناً يقدر علىِ قضائه ولا يقضيه، فيأثم فيه. فإن شرب لبناً وتقيأ لبناً وعسلاً، فهو توبة فإن ابتلع لؤلؤاً وتقيأ عسلاً، فإنّه يتعلمِ تفسير القرآن، فإن تقيأ لبناً ارتد عن الإسلام. فإن تقيأ طعاماً، فإنه يهب إنساناً شيئاً. فإن عاد في قيئه، عاد في هبته. فإن شرب خمراً ولم يسكر وتقيأ، أخذ مالاً حراماً ثم رده. وإن سكر وتقيأ فإنّه بخيل لا ينفق على عياله إلاّ القليل، ويندم علىِ إنفاقه. فإن رأى كأنّ أمعاءه تخرج من فيه، دلت على موت أولاده. وقيلِ إذا رأى فواقاً وقيئاً ذريعاً مع الفواق، دل على موته. وقيل من رأى كأنّه تقيأ دماً كثيراً حسن اللون، دل على أنّه يولد له مولود. فإن سال الدم في وعاء، عاش الولد. وإن سال على الأرض، مات الولد سريعاً. وهذه الرؤيا للفقير مال، وملك كثير، وهذه الرؤيا مذمومة لمن أراد أن يخدع إنساناً، لأنّ أمره ينكشف.
وأما الدم الفاسد: فإنه يدل على المرض في جميع الناس عاماً. فإن كان الدم قليلاً كالنفثة، دل على أهل البيت والقرابة، وعلى نيل الشر ثم يتخلص منه. وقيل أنّ قيء الدم توبة من إثم أو مال حرام، ويؤدي أمانة في عنقه.
وأما البول: فهو في التأويل مال حرام، فمن رأى كأنّه بال في موضع مجهول تزوج في ذلك الموضع امرأة، ويلقي فيها نطفته بمصاهرة أهل الموضع أو جاره، وقيل رأى كأنّه يبول، فإنّه ينفق نفقة تعود إليه، لقوله تعالى: " وَمَا أنْفَقْتم مِنْ شَيءٍ فهوَ يخلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقين " . فإن رأى كأنّه بال في بئر فإنّه ينفق من كسب مال حلال. فإن رأى كأنّه بال على سلعة، فإنّه نجس على تلك السلعة فإن بال في محراب، فإنّه يولد له ولد عالم.
وحكي أنّ مروان بن الحكم رأى كأنّه يبول في المحراب، فقص رؤياه على سعيد بن المسيب، فقال: إنك تلد الخلفاء.
ومن رأى كأنّه بال على المصحف، ولد له ولد يحفظ القرآن. ومن رأى كأنّه بال بعضاً وأمسك بعضاً، فإن كان غنياً ذهب بعض ماله. وإن كان مكروباً ذهب بعض كربه، فإن رأى كأنّه يبول ويبول معه آخر فاختلط بولاهما، وقعت بينهما مواصلة ومصاهرة. فإن رأى أنه حاقن، فإنّه يغضب على امرأته فإن غلبه البول ولا يجد لذلك موضعاً، أراد دفن مال ولا يجد مدفناً. فإن رأى أنّه بال في موضع البول فأكثر، أصاب الفرج، إن كان فقيراً، وإن كان غنياً خسر ماله. وإن رأى الناس يتمسحون ببوله، ولد له غلام يتبعه الناس، فإن رأى كأنّ إنساناً معروفاً بال عليه، فإنّه يدله بإنفاق عليه وإن رأى امرأة تبول بولاً كثيراً، فإنّهيا تشتهي الرجال. فإن رأى الرجل كأنّه يبول لبناً، فإنه يضيع الفطرة، فإن شربه إنسان معروف، فهو ينفق عليه في دنياه مال حلال. ومن رأى كأنّه يبول دماً فإنّه يأتي امرأة وهي حائض.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّي أبول دماً، فقال: فإنك تأتي امرأتك وهي حائض، قال نعم.
وقيل إنّ صاحب هذه الرؤيا، إن كانت امرأته حبلى سقطت. فإن رأى كأن الدم يحرق أحليله أو يؤلمه، فإنّه يأتي امرأة مطلقة، أو امرأة ذات محرم، ولا يعلم بذلك فإن رأى كأنّه بال زعفراناً، ولد له ابن ممراض. فإن رأى كأنّه بال عصيراً، فإنه يسرف في ماله. فإن رأى كأنّه بال تراباً أو طيناً، فإنه رجل لا يحسن الوضوء، ولا يحافظ عليه. فإن بال ناراً، ولد له ولد لص. وإن خرج سبع، ولد له ولد ظلوم. وإن خرجت سمكة، ولد له جارية من امرأة أصابها من ساحل البحر بحر المشرق. وإن خرج طائر، ولد له ولد مناسب لجوهر ذلك الطائر في الفساد والصلاح. ومن بال قائماً، فإنه ينفق ماله جهلاً. ومن بال في قميصه، فإنه يولد له ابن. فإن لم يكن له زوجة تزوج،فإن رأى أنّه يبول في أنفه، فإنه يأتي محرماً. فإن بال في موضع فطرة، فإنّه ينفق في موضع لايحمد عليه.
وأتى أبن سيرين رجل فقال: رأيت امرأة من أهلي كأنّ بين ثدييها إناء من لبن، كلما رفعته إلى فيها لتشرب، أعجلها البول، فوضعته ثم ذهبت، فبالت. فقال هذه امرأة مسلمة صالحة، وهي على الفطرة، وهي تشتهي الرجال وتنظر إليهم، فاتقوا الله وزوجوها. فكان كذلك.
ورأى والد أردشير بن ساسان وكان راعي الغنم، كأنّه بال وعلا من بوله بخار عم السماء كلها، فسأل بابك المعبر فقال: لا أعبرّها لك حتى تنسب إليّ ولداً يولد لك، فوعده بذلك، فقال: يولد لك غلام يملك الافاق. فكان كذلك، فلما ولد أردشير نسبه إلى بابك المعبر وفاء له بوعده، فلذلك يقال أردشير بن بابك، وإنّما كان أبوه ساسان. ورأى إنسان كأنه يبول في محفل من محافل السوق فصار محتسباً على الأسواق، لأن من رأس قوماً يهونون عليه.
والودي: مال لا بقاء له مع ندامة. وأما المني: فهو مال باق زائد. فمن رأى كأنّه سال منه مني، ظهر له. فإن رأى أنه يلطخ امرأته بذلك، أعطاها حلياً أو كسوة. فإن رأى عنده مني غيره، صار إليه مال غيره. والجرة من المني، كنز يصيبه من أصابها. فإن رأى أنّه تلطخِ بمني المرأة، انتفع منها. وخروج ماء أصفر من فرج المرأة، يدل على أنّها تلد ولداً ممرِاضاً. فإن خرج ماء أحمر، ولدت ولداً قصير العمر. فإن خرج ماء أسود، ولدت ولداً يسود أهل بيته. فإن خرج من فرجها نار، كان الولد ذا سلطان وجور وظلم. فإن رأت أنّها ولدت سمكة وهي حبلى، فقد قيل انّه ولد طويل العمر، وقيل انّه ولد قصير العمر. فإن رأى رجل كأنّه حائض. فإنّه يأتي محرماً. وكذلك المرأة الشابة، إذا رأت كأنّها اغتسلت من الحيض، تابت ونالها فرج. وأما إذا أيست من الحيض ورأت الحيض، فهو ولد لقوله تعالى: " فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاها بِإسْحَقَ " . والضحك هنا بمعنى الحيض، فإن رأت أنّها تستحاض، فإنّها في إثم وتريد أن تتخلص منه فلايمكنها.
وأما الغائط: فقد قيل هو رزق من ظلم، وقيل هو دليل الفرج، ومن رأى أنّه أحدث، ذهب غمه. فإن كان ذا مال، فإنّه يزكي ماله. وإن رأى كأنّه أحدث غائطاً كثيراً وكان على سفر، فإنّه لا يسافر وتنقطع عليه الطريق.
وأكل العذرة: وإصابتها وإحرازها، مال حرام مع ندامة. وربما كان كلاماً يندم عليه لطمِع، ومن أحدث وكان الحدث جامداً، فإنه ينفق بعضِ ماله في عافية. وإن كان سائلاً، فإنّه ينفق عامة ماله. فإن كان موضع الحدث معروفاً مثل المتوضأ فإن نفقته معروفة بشهوته. وإن كان مجهولاً، فإنّه ينفق فيما لا يعرف مالاً حراماً لا يؤجر عليه ولا يشكرعليه، وكل ذلك بطيب نفس منه.
وكل ما خرج من بطون الناس والدواب من الأرواث، فهو مال، إلا أنّ تحليله وتحريمه، بقدر ريحه وقذره وأذاه الناس، إلا أن يكون شيئاً غالياً كثيراً من عذرة الناس شبه الوحل، فهو هم أو خوف من سلطان. فإن أحدث في ثيابه أحدث فاحشة، وإن أحدث في سراويله غضب على زوجته ووفر عليها مهرها فإن رأى أنّه أحدث في موضع وستره بالتراب، فإنّه يستر مالاً. فإن أحدث على نفسه وقع في خطيئة. فإن أحدث في فراشه مرض مرضاً طويلاً، لأنّه ما يفعل ذلك في اليقظة إلا من لا يستطيع القيام، وتدل أيضاً هذه الرؤيا على مفارقة الرجل امرأته. وقيل من رأى كأنّه يأكل الخبز بالعذرة، دل على أنّه يأكل الخبز بالعسل في اليقظة، وقيل هو مخالفة السنة. فإن تغوط من غير قصد منه، فحمله بيده، فإنّه يرزق كيس دنانير حرام على قدر الغائط ومن رأى كأنّه يحدث في الأسواق العابرة العامرة، أو في الحمامات والجماعات، دل على غضب الله عليه والملائكة، وتناله فضيحة عظيمة، وخسارة كبيرة، وظهور ما يخفيه الإنسان، ويدل أيضاً على نقص يعرض لصاحب الرؤيا. فإن أحدث في مزبلة أو شط البحر، أو في موضع لا ينكر لذلك، فهو دليل خير وذهاب الهم والوجع.
فإن رأى كأنّ إنساناً معروفاً يرميه بشيء من زبل الناس، فإن ذلك يدل على معاداة ومخالفة في الرأي والظلم، يعرض له ممن رماه بها، ومضرة عظيمة. وكثرة زبل الناس أيضاً، تدل على تعويق عن الحركات، والإقبال على مضار كثيرة. والتلطخ بزل الإنسان، مرض أو خوف. وهو أيضاً دليل خير لمن أفعاله قبيحة، وقد امتحنا أنّ ذلك مما ينتفعون به.
وأما الفساء: فهو كلام فيه ذلة، فمن فسا أصابه غم، فإن كان بين الناس فإنه غم فاش يقع فيه. ومن رأى كأنّ غيره فسا وهو يشم، فإنّه غم يمر به. فمن رأى كأنه في الصلاة وخرج منه ريح غير منتنة، فإنّه طلب حاجة، ويدعو الله بالفرج، فيكلم بكلام فيه ذلة، فيعسر عليه ذلك الأمر.
وأما الضراط: فمن رأى أنّه بين قوم خرجت منه ضرطة من غير إرادة، فإنّه يأتيه فرج من غم وعسر ويكون فيه شنعة. فإن ضرط متعمداً وكان له صوت عال ونتن، فإنه يتكلم بكلام قبيح، أويعمل عملاً قبيحاً وينال منه سوء الثناء على قدر نتنه، والتشنيع بقدرذلك الصوت. فإن رأى له نتناً من غير صوت، فإنّه ثناء قبيح من غيرتشنيع على قدر نتنه، وإذا ضرط بين قوم، فإنّهم إن كانوا في غم أو هم فرج عنهم، وإن كانوا في عسر تحول يسراً. فإن ضرط بجهد، فإنّه يؤدي ما لا يطيق. فإن ضرط سهلاً، فإنه يؤدي ما يطيق.
فإن رأى أنّه خرخ من دبره طاووس: ولدت له ابنة حسناء. فإن خرجت سمكة، ولدت له ابنة قبيحة. فإن خرج من دبره دود أو قمل أو ما يطعم في جوفه، فإنّه يفارقه قوم من عياله الأقربين. فإن خرج منه مثل الحيات، فهم عيال على كل حال، غرباء من الأبعدين، إذا خرج ذلك منه على قدر ما وصفت منه. فإن خرج منه دم، فهو خروجه من إثم. فإن تلطخ به، خرج منه مال حرام، وقيل خروج الدم من الدبر أولاد الأولاد. فإن رأى أنّه يشرب بإسته، فإنّه رجل مأبون، وإن لم يكن ذلك، فهو يحقن بحقنة.
وأما أرواث الحيوان: فمن رأى أنّه يكنس روث الخيل، نال مالاً من رجل شريف. وزبل البقر دليل خير للأكرة فقط، وللحراثين دون غيرهم. فإن رأى أنّه جلس على الروث، نال مالاً من جهة بعض أقاربه.
أما البيض: إذا رؤي في وعاء دل على الجواري، لقوله تعالى: " كَأنّهُنّ بيضٌ مَكْنُونٌ " . فإن رأى كأنّ دجاجته باضت، فإنّه يرزق ولداً. والبيضِ المطبوخ المميز عن القشر رزق هنيء. فإن رأى كأنّه أكله نيئاً، فإنّه يأكل مالاً حراماً، أو يصيبه هم، أو يرتكب فاحشة. وأكل قشر البيض، يدل على أنّه نباش للقبور. فإن رأى كأنّه خرجت من امرأته بيضة، ولدت ولداً كافراً، لقوله تعالى: " ويخرجً المَيتَ من الحيِّ " . فإن رأى كَأنّه وضع بيضة تحت الدجاجة فتشققت عن فروج، فإنّه يحيا له أمر ميت ويولد له ولد مؤمن، لقوله تعالى: " يخْرِجُ الحَيَّ من المَيّتِ " وربما يرزق بعدد كل فروج ابناً. فإن وضع بيضاً تحت ديك، فأخرج فراريج، فإنّه يحضر هناك معلم يعلم الصبيان. فإن كسر بيضة افتضِّ بكراً وإن لم يمكنه كسرها عجز عنها. فإن ضرب البيضة ضربة وكانت امرأته حاملاً، فإنّه يأمرها أن تسقط. فإن رأى غيره كسر بيضة وردها عليه، افتض ابنته رجل. ومن وطِىء كمه فخرج منه بيضة، فإنّه يطأ أمته ويولد له منها جارية. فإن رأى عنده بيضاً كثيراً، فإنّ عنده مالاً ومتاعاً كثيراً يخشى فساده. وهذا كله في البيض النيء.
ومن رأى بيضاً سليقاً، فإنّه يصلح له أمر قد تمادى عليه وتعسر، وينال بإصلاحه مالاً ويحيا له أمر ميت، فإن أكله بقشره، فهو نباش. فإن تجشأه، أكل مال امرأة وأسرف فيه. فإن أكله، فإنّه يتزوج امرأة عندها مال.
وبيض الكرِكي ولد مسكين. وبيض الببغا جارية ورعة، وقيل من رأى أنّه أُعطي بيضة، رزق ولداً شريفاً. فإن انكسرت البيضة مات الولد. وقيل: البيض للأطباء المزوقين ولمن كان معاشه منه دليل خير. وأما لسائر الناس. فإنّ البيض القليل، يدل على المنافع، لأنّه يؤكل. والبيض الكثير، فإنّه يدل على هموم وغموم، ويدل مراراً على الأشياء الخفية. وقيل الكبار من البيض، البنون. والصغار، بنات، وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأني آكل قشوِر البيض فقال اتقِ الله فإنك نباش تسلب الموتى، ورأى رجل عزب كأنّه وجد بيضاً كثيراً، فقص رؤياه على معبر، فقال: هو للعزب امرأة، وللمتزوج أولاد. ورأى رجل كأنّه يقشر بيضاً مطبوخاً فقص رؤيا على معبر، فقال: تنال مالاً من جهة بعض الموالي. ورأى مملوك كأنّه أخذ من مولاته بيضة سليقاً، فرمى بقشرها، واستعمل ماليها، فولدت مولاته ابناً، فأخذ المملوك ذاك المولود اورباه وذلك بأمر زوج المرأة، فصار سبباً لمعاش ذلك المملوك.
وحبل الرجل: زيادة في دنياه، وقيل هو حزن بقتل مستور. وولادة الرجل جارية، إصابة خير وفرج قريب، ويخرج من نسله من يسود أهلِ بيته. وولادته غلاماً، يصيبه هم شديد، وحبل المرأة زيادة في المال، وولادتها غلاماً تلد جارية وربما كانت طبيعتها مخالفة لذلك، فيكون ممن إذا رأت أنّها ولدت جارية، كانت جارية، وإذا رأت أنها ولدت غلاماً، كان غلاماً. وكذلك لو رأى امرأته أو جاريته ولدت جارية، أصاب خيراً. فإن ولدت إحداهما غلاماً، ناله هم شديد. وكذلك لو رأى أنّه اشترى جارية، أصاب خيراً. فإن اشترى غلاماً، أصابه هم شديد.
  
Share on Google Plus

الرجوع الي الصفحة الرئيسية للمدونة

    Blogger Comment

0 comments:

Post a Comment